بات من الواضح أنّ توجّه الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني يواجه بعض الاعتراضات والخلافات مع الحليف الإسرائيلي، إلا أنّ واشنطن مع ذلك ستمضي قدماً نحو هذا التوجه مستخدمة كل أشكال الضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل إزالة هذه الاعتراضات والخلافات، أو على الأقل تجميدها وعدم تناولها بشكلٍ معلن. هذا ما يمكن استنتاجه من أوّل تصريح بهذا الشأن أدلى به روب مالي مسؤول الملف الإيراني في البيت الأبيض، عندما قال: إنّ واشنطن لا تريد مواجهة علنية مع إسرائيل حول هذا الملف على غرار ما جرى عام 2015، حيث عارضت إسرائيل بشدة توقيع أميركا مع أطراف أخرى على الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك شنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حملة ضد الرئيس الأسبق باراك أوباما، الأمر الذي أحدث شرخاً وأزمة حقيقية بين الجانبين.
للتخفيف من آثار هذه المواجهة أو منعها، تمت إعادة العمل في «المنتدى الإستراتيجي الإسرائيلي حول إيران»، والذي تم إنشائه في ولاية الرئيس أوباما في أعقاب زيارة نتنياهو إلى واشنطن عام 2009، واستمر نشاط هذا المنتدى أثناء ولاية الرئيس ترامب، حيث تم التنسيق بين الجانبين في إطار ما تسمى «حملة الضغط الأقصى على إيران»، وما تمت ترجمته في مجال أقصى العقوبات السياسية والاقتصادية على طهران.
استعادة نشاط هذا المنتدى من خلال اجتماع لمجلسَي الأمن القومي من الجانبين عبر الوسائط التقنية، برئاسة كل من رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، هذه الاستعادة كانت محل تساؤل؛ ذلك أن واشنطن استعجلت عقد هذا الاجتماع رغم علمها أن هناك انتخابات إسرائيلية بعد أيام، ومن شأنها أن تقلب الطاولة في حال فشل نتنياهو في التجديد لرئاسة الحكومة أو حتى في حال نجاحه، فإن وقتاً طويلاً سيمضي قبل تشكيل حكومته، وأنّ فترة من عدم الاستقرار ستسود الحكومة الإسرائيلية بحيث لا يمكن معها اتخاذ قرارات بالغة الأهمية والحساسية مثل الملف الإيراني.
إلا أنّ ما يفسّر هذا الاستعجال غير المبرر في نظر البعض لاستعادة المنتدى، من خلال الاجتماع الذي جرى الخميس الماضي، أنّ الإدارة الأميركية تهدف للتوصل وبسرعة إلى العودة للاتفاق النووي الإيراني، وذلك بالنظر إلى أنّ إيران بدورها ستشهد انتخابات رئاسية مطلع حزيران القادم، وهناك إمكانية لوصول رئيس أكثر تشدداً من الرئيس الحالي حسن روحاني، الأمر الذي يثير مزيداً من التخوف والقلق لدى أوساط سياسية أميركية، عندها فإن العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني ستصبح أكثر تعقيداً، لذلك فإن واشنطن بحاجة إلى كل الوقت للوصول إلى هذه العودة خلال فترة قريبة ولهذا فإنها تسعى للتفاهم مع إسرائيل حتى تخفف هذه الأخيرة من مواجهتها لهذه العودة من خلال استغلالها لزبانيتها في الكونغرس.
والسبب الثاني المحتمل للاستعجال الأميركي يعود إلى أنّ هناك نزعة لدى بعض أطراف المعادلة الأمنية - السياسية في إسرائيل لإعادة الاعتبار للخيار العسكري مع إيران. تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي بهذا الشأن كانت واضحة عندما هدد إيران وهاجم إدارة بايدن، بالترافق مع تسريبات تشير إلى وقوف إسرائيل وراء الاعتداء على إحدى السفن التجارية الإيرانية، ونشر بعض وسائل الإعلام الدولية عن قيامها بأكثر من اعتداء مشابه خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي من شأنه أن يعقد التوجه السياسي الدبلوماسي الأميركي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
إنّ استعادة نشاط المنتدى الإستراتيجي، من خلال الاجتماع المشار إليه، يمثل محاولة أميركية للسيطرة على المشاغبة الإسرائيلية على الملف النووي الإيراني، ذلك أن واشنطن تملك إمكانيات حقيقية للضغط على الجانب الإسرائيلي لوضع الخلافات في سياق النقاشات والمباحثات السرية التي تجري في إطار هذا المنتدى، الأمر الذي يسمح لواشنطن بالمضي قدماً في سياستها المرسومة إزاء العودة للاتفاق النووي بما يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]