قبل أيام من قدوم الشهر الفضيل خرج علينا بعض الضباط في الاعلام الإسرائيلي ليفسروا سبب ارتفاع الجريمة والقتل قبل رمضان مباشرة على انه تصفية حسابات سريعة قبل البدء بعملية التوبة المؤقتة لمدة شهر كامل، ما كشف عن سذاجة واضحة وعميقة لدى جهاز الشرطة بما يتعلق بانتشار الجريمة في المجتمع العربي ومحاربتها وفجوة واضحة بين الشرطة والمجتمع العربي بسبب عدم وجود دراسة عميقة واخصائيين للمساعدة في معرفة أساس الظاهرة ومحاربتها، عن ذلك وسبب ارتفاع القتل في رمضان الذي لم يتوقف تحدث "بكرا" مع دكتور نهاد علي رئيس مركز التعددية الحضارية في اكاديمية الجليل الغربي وجامعة حيفا ورئيس قسم المجتمع العربي في شموئيل نئمان في التخنيون.

سذاجة الشرطة

وقال في بداية حديثه ل "بكرا": قبل بدء شهر رمضان بأيام قليلة وقعت جريمة قتل مزدوجة في احدى قرانا "الامنة" وما اكثر هذه الجرائم في السنوات الأخيرة فما كان من احدى وسائل الاعلام العبرية الا ان استدعت قائد الشرطة في تلك المنطقة ليرد او ليحلل ارتفاع واستفحال الجرائم في المجتمع العربي مؤخرا وقد استوقفني تحليله حول ارتفاع نسبة العنف والجريمة قبل شهر الصيام حيث قال واقتبس "عند العرب يتوقف العنف كليا وعلى جميع اشكاله قبل شهر الصيام لذلك نجد تصفية الحسابات في الأسبوع او الأسبوعين الأخيرين قبل بداية الشهر الفضيل".
وتابع د. على ل "بكرا": كم أحببت سذاجة الضابط الكبير وكم اعجبت بهؤلاء المستشرفين الذين علموه ان المسلم او العربي ,كما قال الضابط , يوقف نزعة العدوانية من سلوكه ويوصد كل اشكال العنف وتصفية الحسابات احترما لحرمة الشهر ومخافة من الله. فلو كانت هذه التحليلات صحيحة لتمنينا ان يكون رمضان العام كله، فاليوم هو التاسع من شهر الصيام وما زال العنف والجريمة يفتكان بنا بين الجريمة المزدوجة والفردية او اطلاق نار والقتل بالخطأ في التعريف او برصاصة طائشة تسببت بالخطأ وموت بموت احدهم او احداهن او اطلاق نار عشوائي.
وتساءل د. علي: لماذا خلال شهر المحبة والرحمة والعبادة والتعبد والروحانيات، وتابع يقول: حاول البعض من صحافيين او مستشرقين تفسير ذلك بانه نتيجة للصوم وتأثيره على النفس والسلوك فمثلا تتساءل شذى عساف في جريدة الدستور الأردنية وعلى وقع جرائم قتل حدثت خلال شهر رمضان في الأردن بانه "هل ممكن ان يوصل الصوم الأشخاص المعتادين على التدخين والمنبهات الى حالة من الغضب الشديد وفقدان السيطرة بمعنى ان الخلافات بين الأشخاص تتطور نتيجة الصوم وصولا الى ارتكاب مثل هذه الجرائم؟".
من الممكن ان يزداد المزاج حدة في رمضان نتيجة لنقص الاكل والماء والتدخين والمنبهات اما ان يتحول الصائم الى قاتل فإنني استبعد ذلك كليا، إذاً هناك تفسيرات أخرى للعنف والجريمة في رمضان.

من المهم ان ننوه هنا ان جرائم القتل في الشهر الفضيل ليست حكراً او حصراً على مجتمعنا. ففي الأردن ومصر والجزائر وغيرها وقعت جرائم قتل في رمضان.

مسلسل القتل في مجتمعنا استحوذ على تقويم كل اشهرأشهر السنة

وتابع مفصلا ومحللا الجانب الاجتماعي والنفسي لهذه الظاهرة وقال: ان درجة استجابة الأشخاص الذاتية للتعامل مع الجريمة وان أولى أيام رمضان الأولى لا تمثل قطعاً او انقطاعاً عن خلفيات المشاكل وجدورها زمنياً بين الناس وبالتالي يمكن ان يلتقي هدان العاملان ليخلقا عند البعض سلوكاً عدوانياً.

وتابع: اعتقد ان مسلسل القتل في مجتمعنا استحوذ على تقويم كل اشهر السنة وايامها ولبس فقط حكراً خلال شهر رمضان، واجزم ان عقلية المجرم القاتل لا تميز بين شهر واخر او بين يوم واخر من أيام السنة. فمن استباح حياة الانسان بفكره وسلوكه سيستبيحها في رمضان أيضا
الحياة .من وجهة نظر الشريعة الإسلامية هي النعمة العظيمة التي منحها الله للإنسان واستأمنه عليها وعَظَّم حرمتها وجعل أمرها بيده سبحانه، بل جعل حفظ الحياة والنفس مقصدًا من مقاصد الشريعة العليا الذي جاءت من أجلها لعمارة الأرض وصلاح الناس، وهي حفظ النفس والعرض والمال والدين والعقل.

وقد أكد الإسلام على ضرورة حفظ حياة الناس وعدم المساس بها في مواضع عديدة من كتاب الله وفي أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اعتبر الله عزو وجل أن إزهاق نفس واحدة بغير وجه حق جريمة ضد الإنسانية كلها وقتل لها، وأما من ينقذ حياة شخص ويحافظ عليها وينميها ويطورها فكأنما أحيا البشرية كلها، يقول تعالى: {من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}.
وفي أقوال نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما يؤكد على حرمة الدماء، حيث يقول: "لزوال الدنيا وأهلها أهون عند الله من دم إنسان يسفك دون وجه حق"، بل حتى التحريض على القتل ولو بنص كلمة، فيقول النبي العربي: "من أعان على دم حرام بشطر كلمة لقي الله تعالى يوم القيامة مكتوبًا على جبينه آيس من رحمة الله".
فحياة الانسان اقدس من كل شيء حسب الشرع الإسلامي، اما عن أسباب الظاهرة في مجتمعنا فقد نعزرها لعدة عوامل: قد تكون الأجواء الرمضانية التي ترمي الى السكينة بقدسيتها على البعض فرصة سانحة للمجرمين للاصطياد اذ ان المبنى الاجتماعي منغمس كليا في الصيام. وايضاً قد يخفف ورجال الشرطة يخففون (قليلوا التجوال اصلاً) من تجوالهم في القرى العربية خلال الشهر الفضيل ما يفسح المجال امام المجرمين بصورة اكبر لممارسة جرائمهم.
وقد يكون للوضع الاقتصادي السيئ وخاصة في ظل جائجة الكورونا قد رفع من منسوب اليأس والعدوانية والإحباط عند البعض وخاصةً الرجال المسؤولون عن الاعالة وشحها خصيصاً في رمضان
واخيراً, لعل نظرية الصدفة في علم الجريمة سمكن ان توقد "شرر" مثل هدة السلوكيات العنيفة, ما يدل على وجود عوامل محفزة للصدام او اقترافها.
وتابع: كما ان فقدان البوصلة المستمر لبعض الافراد في المجتمع وايضاً في رمصان لبعض الافراد في المجتمع هو سبب عميق لانتشار العنف والجريمة، وأخيرا نقول ان شهر رمضان هو مساحة للتنافس في الخير والعمل الصالح والعطاء والمسامحة وترك الموبقات والعنف.
رمضان كريم

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]