قبل بضعة أيام اقتربت مني ابنتي وقالت: عندي معلمة عربية، هل عليّ أن أكرهها الآن؟ نظرتُ إلى عينيها وأجبت: بالعكس. عليك أن تعرفي أنه بفضلها وبفضلك ثمة أمل موجود بأن ننجح في إطفاء الحريق المنفلت الآن.

ترعرعت في عكا، مدينة مختلطة, تجمّع فيها عرب فلسطينيون سكنوها قبل 1948، ومهاجرون يهود عاشوا في البداية في الخيام ومباني الإسكان، وناجون من الكارثة الذين انهار عليهم عالمهم، إلى جانب لاجئين من حيفا عرفوا كيف يتأقلموا من جديد مع الواقع تحت الحكم اليهودي.

هذا الواقع كان في غالب الأحيان جيداً ولطيفاً ومريحاً. البلدة القديمة تعج بالحياة من جديد، والحكم العسكري استُبدل بحكم مدني محلي على مقدرة من التعامل مع هؤلاء وهؤلاء. تغيرت تركيبة السكان، نشأت غالبية يهودية متينة، لكن الأقلية العربية، أبناء عكا، شعرت دائماً أنها في البيت وليست ضيفة في بيتها.

عكا جميلتي، المدينة التي شهدت تاريخاً كاملاً يمر فيها، أشوريين وأنبياء، انتيوخوس ونابليون، هلنستيين وبيزنطيين، صليبيين وعثمانيين. هذه المدينة لن تغير وجهها أيضاً ليس بعد تلك الليلة التي لا يجب أن تتكرر.

سبق تلك الليلة، يوم بعد يوم بعد يوم من الفشل المجتمعي الإسرائيلي. يجب قول الحقيقة: الغضب الذي انفجر في أوساط شباب من المجتمع العربي لم يكن وليد ليلة أمس. سنوات عديدة عملتُ مع المجتمع العربي في إسرائيل ورأيت عن كثب الإحباط المبرَّر.

انعدام مصدر معيشة لائق، ومصادر تشغيل ومناطق صناعية وحتى بنى تحتية مناسبة للانترنت. أطفال منقطعون عن جهاز التعليم، نسب عالية من البطالة، نقص في النشاط الثقافي وقت الفراغ، وانعدام حتى حدائق ألالعاب الملائمة. لا أتحدث عن عكا، إنما أنظر بشكل أوسع على دولة بأكملها لا يحصل فيها 20 في المئة من سكانها، الأقلية الأكبر، على المساواة في تخصيص الموارد.

وداخل كل هذا تتضح أكثر أيضاً الفجوة بين الأجيال وتتآكل مرجعية الأهل. وقد رأينا مشاهد مماثلة أيضاً إبان الغضب المبرَّر لشابات وشباب من الجالية الأثيوبية قبل سنوات. من منا لم يتفهم ذلك الغضب؟ من منا لم ينكشف أمام تعامل تمييزي أو عنصري خفي أو مكشوف ضدهم؟ هنالك أيضاً عبّر الجيل الشاب عن غضب وعداء امتنع جيل أهلهم عن التعبير عنهما.
ليس صدفة تتم تسمية هذا الاحتجاج "احتجاج التيك توك" وعندما لا يتواجد البالغ المسؤول حولنا، فإن الإحباط يتحول غضباً، والغضب عنفاً وليس هناك صوتا متزنا يستطيع تهدئة النفوس.

ليس الجيش ولا الشرطة هم الحل. فقط جهاز التربية والتعليم، فرص التشغيل، التعاون، وسيرورة عمل عميقة وثابتة وحازمة يجب أن يقوم بها اليهود والعرب معاً * لا يمكن أن تكون هذه مسؤولية ندحرجها من طرف إلى آخر

من لديه أفق للحياة، لا يحرق المصالح التجارية ولا يقوم بأعمال بطش (لينش) بجيرانه. تربية جيدة وفرص تشغيل هي بالضبط ما سيدفع بالجيل الشاب في المجتمع العربي أن يدرك أنه ممنوع التنازل، وممنوع المجازفة، وممنوع منعاً باتاً حرق الجسور.

لقد أدركنا ذلك في الفوروم الاقتصادي الاجتماعي قبل وقت طويل من اندلاع الاضطرابات. علينا التبسيط كي نقوم فعلاً بما نؤمن بأنه يجسر الهوة، أولاً وقبل كل شيء في فرص العمل ودفع المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة في المجتمع العربي، وإقامة مديرية تشغيل تأتي بحلول تشغيل في الضواحي ومن ضمنها المجتمع العربي.

يدرك المهنيون المثال الذي يقول إن العنوان يساوي المستقبل. المكان الذي كبرنا فيه والعائلة التي ولدنا فيها تتنبأ بنسبة 80% بفرص نجاحنا في الحياة المهنية. طالما أن هذا النموذج يتحقق في الواقع، فسنبقى مع جيل شاب محبط وغاضب وعنيف في نهاية الأمر. لذا مسؤوليتنا هي أن نُبيّن الأفق لهذا الجيل.
من خلال توحيد القوى سننتج جيلاً شاباً ومثقفاً أكثر، يربح اكثر، مشاركاً أكثر في الحياة الاقتصادية الإسرائيلية وبالتالي ضالعاً أيضاً في الحياة المجتمعية والثقافية ومراكز التأثير. من سيشعر بأنه جزء سيعرف أن يكون عندما يحين الوقت الصوت العقلاني الذي يتصدى للعنف والعداء.
هيا بنا نجرب، بدلاً من الجنود وأفراد الشرطة، سلاحاً من نوع آخر: احتواء, قبول, اهتمام, تكافل وحلول قابلة للتطبيق. هذه هي الحرب على المستقبل المشترك لنا جميعاً، وهي في أوجها.


• الكاتبة هي مديرة عامة للفوروم الاقتصادي الاجتماعي وBusiness Roundtable Israel
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]