لم تلملم المحلات التجارية في مدن الساحل المختلطة جراحها من الاغلاقات التي تسببتها أزمة كورونا، حتى جاءت أحداث شهر حزيران والمواجهات العنيفة بين اليهود والعرب في عدد من هذه المدن، والتي لحقتها حملة مقاطعة كبيرة من المواطنين اليهود ضد المصالح العربية.

الأحداث انطلقت بعد توتر حاد في القدس، في المسجد الأٌقصى وفي حي الشيخ جراح، والتي لحقته حربًا على غزة، وشملت هذه الاحداث مظاهرات في كل البلدات العربية تقريبًا، ومواجهات عنيفة في المدن المختلطة، البداية كانت في اللد والتي استشهد موسى حسونة على يد مواطن يهودي من أتباع النواة التوراتية، وقد تطورت الأمور بشكل خطير جدًا في اللد، ولكن مدن أخرى مثل عكا ويافا وحتى حيفا، كان لها نصيبها من حدة المواجهات ومن الإصابات من الطرفين، ومن الأضرار للطرفين ومن الاعتقالات، بشكل خاص من الجانب العربي.

وانتهت الأحداث بحملة شرسة للشرطة تحت عنوان "قانون ونظام" اعتقلت خلالها أكثر من 2140 مواطنًا، معظمهم من العرب، وقدمت لوائح اتهام ضد 184، ولا زال بعضهم معتقلين حتى اليوم.

أضرار هذه الأحداث لم تقتصر على الإصابات والاعتقالات وتخريب الممتلكات فقط، بل في حملة مقاطعة شديدة من قبل المواطنين اليهود على المصالح العربية، ما زال تأثيرها مستمرًا حتى اليوم.

عكا

عكا كانت أكثر البلدات تضررًا في هذه الأحداث، طبعًا بعد اللد التي تعتبر حالة خاصة بسبب مقتل الشاب موسى حسونة وبسبب استمرار التوتر حتى اليوم فيها، ولكن في عكا، الأحداث العنيفة توقفت مع توقفها في باقي البلدات وأسفرت عن إصابات خطيرة وعن مقتل مواطن يهود باحتراق فندق "أفندي" وإصابة آخر بجراح خطيرة، وإصابة عدد من المواطنين العرب، لكن المقاطعة من قبل السكان اليهود، سكان البلدات المجاورة وسكان عكا أنفسهم، أُثرت بشكل كبير. "باعتقادي هي أسوأ فترة لعكا منذ سنوات"- قال محمود عودة، وهو صاحب مطعم في عكا، وتابع: "في أحداث أكتوبر عام 2000 كانت هنالك مقاطعة، لكنها لم تدم طويلًا، رغم أن أحد الضباط وقتها قال لي "لن تبيعوا رغيف خبز بعد اليوم"، لكن المواطنين اليهود عادوا بعد فترة قصيرة، وحتى في أحداث يوم الغفران في عكا، التي كانت الأعنف، فهم المواطنين اليهود أن الحديث يدور عن حالة خاصة، عن شخص واحد وليس عن عكا بأكملها، أما اليوم فنحن ومع مرور ما يقارب الـ3 شهور على الأحداث، ما زلنا نلحظ ضعف الاقبال اليهودي على محلاتنا ونشعر أن هنالك محاولة لمعاقبة عكا وأهلها، لا أنكر أن بعض الدوار عادوا، لكنهم يتجولون في السوق والميناء، ليس بنفس الأعداد ما قبل الأزمة، ولكنهم في كل الأحوال لا يدخلون محلاتنا كثيرًا، كما كان في الماضي.

في عكا أقيمت بالشهرين الماضيين فعاليات دعم الاقتصاد الوطني، وهي نشاط شبابي فلسطيني لدعم المصالح العربية الفلسطينية في عدة مدن، وهذا ساعد المحلات التجارية المتضررة، وساعدهم أيضًا اقبال الزوار العرب من كل المناطق، حتى من النقب ومن مناطق الضفة الغربية في فترة العيد- يتابع عودة: في عيد الفطر كانت الأحداث في أوجها، ولم نعمل، بعد ذلك بدأ الاقبال العربي يرتفع شيئًا فشيئًا، وفي فترة عيد الأضحى كان الاقبال كبيرًا، بشكل خاص من النقب ومن الضفة الغربية، ولكن كما تعلمون وبشكل خاص الزوار من الضفة الغربية، امكانيتهم المادية محدودة لذلك فإن المطاعم لا تكون وجهتهم الاعتيادية، لذلك فنحن في المطاعم وحتى الآن لم نعد لعملنا بشكل طبيعي، أي أننا نفتح أبواب مطاعمنا، لكن لم نقم بإعادة كل الطواقم من طباخين وندّل، ورغم ذلك فإن علينا أن ندفع ضريبة الأرنونا الضخمة كما هي، رغم أننا لا نعمل تقريبًا، لذلك نحن نتوجه للبلدية أن تسهّل علينا هذا الأمر، ونأمل أن تتغير الأوضاع في الأيام القادمة.

معظم زوار عكا اليهود، هم من خارج عكا، من المنطقة المجاورة وحتى من مركز البلاد، وحملات المقاطعة والتحريض ضد سكان عكا كانت في الأساس في مجموعات الواتسآب في عكا، لذلك فإن ضعف الاقبال اليهودي قد يكون سببه التخوف والنفور ما بعد الاحداث وليس المعاقبة، وهذا ما يفهم من حديث هاني أسدي، وهو صاحب ستوديو للتصوير ومحل لبيع الأشياء المتعلقة بالتصوير في عكا ومركز منطقة عكا القديمة، إذ يقول: النفور في البداية كان طبيعيًا ومتوقعًا، فالأحداث التي كانت تسبب بمثل هذه الأمور، لكن أؤكد لك أن من يحب عكا لا يستطيع الاستغناء عن زيارتها، وأن المواطنين اليهود لا يستغنون عن زيارة سوق عكا والبلدة القديمة، والحركة بدأت تعود عادية وجيدة، ولكن يجب أن لا ننسى أننا الآن في فترة أشهر الصيف، والناس تفضل في هذه الفترة زيارة الشواطئ والمنتجعات، وليس زيارة المدن السياحية التاريخية، أي أننا لسنا في ذروة الموسم السياحي لعكا، وأنا لا أقول أن الاقبال عاد كما كان، لكن أقول أنه بات يعود تدريجيًا بشكل جيد، والوضع أفضل بكثير مما كان عليه بعد أحداث يوم الغفران، حيث أحدثت تلك الأحداث شرخًا وقتها، وهو يشبه الوضع بعد أحداث أكتوبر 2000 نوعًا ما.
بلدية عكا تنظم بشكل عام مشاريع ثقافية وتربوية في عكا، ولكن حتى الآن لم تقم بأي من هذه المشاريع بعد الأحداث، لكن نائب رئيس البلدية، المحامي أدهم جمل يقول أن هنالك لقاءات وجلسات مهنية تعقد حاليًا لإقامة عدة مشاريع تهدف لتعزيز العيش المشترك، وقريبًا ستقام عدة مهرجانات في البلدة القديمة. وأضاف: بلا شك فإن عكا تأثرت من الأحداث الأخيرة، ولاحظنا المقاطعة من قبل المواطنين اليهود، لكن الأمور بدأت تتحسن بالأسابيع الأخيرة.

حيفا

حيفا لم تشهد نفس حدة الأحداث التي شهدتها عكا، لكن حصلت اعتداءات عديدة على مواطنين عرب وعلى أملاكهم، وحصلت بعض المواجهات مع الشرطة، وبعض الاعتقالات، لكن الوضع فيها ليس بسوء الوضع في عكا، رغم أن المقاطعة كانت في الفترة الأولى وما زالت تأثيراتها مستمرة كما أكد زهير شحادة، وهو صاحب محل للملابس في وادي النسناس منذ عام 1969 – "لا يمكن القول أن الاقبال اليوم هو نفسه الاقبال الذي كان قبل الاحداث، نحن نرى أن الأمور تغيرت، لكن ليس بالسوء الذي يتحدث عنه البعض، وبدأت الأحوال بالتحسن مؤخرًا، فنحن في حيفا نعيش حياة مشتركة حقيقية، لا يوجد أي عنصرية بين اليهود والعرب، وحتى أن المجموعات اليهودية التي كانت تتجول وتعتدي على الناس في الأحداث كانت مجموعات مستوطنين من خارج حيفا، في أحداث أكتوبر 2000 أيضًا، شعرنا بضعف الاقبال من قبل اليهود لفترة، ثم عادت المياه إلى مجاريها كما يحصل الآن، ففي حيفا لا يمكن أن للعرب واليهود أن يعيشوا بشكل منفصل – وهذا ما أكده أيضًا، بشارة ديب، وهو فنان وصاحب ورشة لصناعة الأعواد وبيع وتصليح الآلات الموسيقية في وادي النسناس بحيفا، إذ قال "لا أعرف كيف كانت الأمور عام 2000 لكننا شهدنا ضعفًا في الاقبال ما بعد الأحداث واستمرت الأمور لفترة، ثم بدأت تعود إلى مجاريها، وفي النهاية الجميع يعرف أن الاحداث التي كانت لا تمثل اغلبية الناس في عكا، حتى أن المجموعات العنصرية التي تواجدت واعتدت على المواطنين العرب، ليست من حيفا".

وعلى خلاف الشعور في عكا، فإن الشعور السائد في حيفا أن انقطاع الاقبال اليهودي بعد الاحداث لم يكن بهدف المقاطعة، إنما من منطلق الخوف وتضخيم الأمور من قبل الإعلام وجهات أخرى، وهذا ما أكده شادي زعبي، إذ قال: لدينا محل للحلويات في شارع ألنبي ومحل لبيع المأكولات في الهدار، ولاحظنا ضعف الاقبال اليهودي في الفترة الأولى، وما زالت الأمور غير طبيعية 100% حتى الآن، لكن مثلًا هنالك الكثير من زبائننا اليهود كانوا يأتون إلى المحل في ساعات الصباح، وقت الأحداث، لأنهم يعرفون أن المظاهرات والمواجهات تحصل في المساء، وهذا يعني أن النية لم تكن مقاطعة بقدر ما كانت تجنبًا للمشاكل، اليوم هنالك ارتفاع ملحوظ ونتمنى أن يستمر.

يافا

في يافا الأحداث لم تبدأ مع باقي البلدات، بل قبلها بشهر أو أكثر، حيث تقوم جماعات النواة التوراتية منذ فترة بمحاولة شراء البيوت في حي العجمي، وقد تم الاعتداء على الراف الياهو مالي بعدما وصلوا لفحص شراء منزلي لعرب في يافا، وحدثت بعد ذلك أحداث عنيفة، في شهر أبريل، التي ما أن هدأت حتى بدأت أحداث شهر حزيران، والتي خلالها أصيب عدد من المواطنين واعتقلت الشرطة العشرات، وبالتالي فإن الأضرار الاقتصادية وصلت إلى يافا، ويؤكد هذا حديث طوني حماتي، وهو صاحب مطعم في يافا، إذ يقول: الاقبال ضعف بشكل كبير في يافا بعد الاحداث، شعرنا أن هنالك عقاب معين أو تخوف، ولكن الأمور اليوم بدأت تعود إلى نصابها وبدأت الزوار يعودون إلى يافا ومصالحها ومطاعمها.

المصالح التجارية العربية لم تتأثر لوحدها في يافا، فحتى المصالح اليهودية تأثرت، فيافا بعد الاحداث عانت لفترة من عدم قدوم الزوار إليها، وهذا ما أكده شحادة أبو شحادة، وهو يدير محلين لبيع الحلويات في يافا "يافا كنافه"، إذ قال: كل يافا تأثرت من الأحداث، المصالح العربية واليهودية، فالزوار توقفوا عن الحضور إلى يافا لفترة، وما أن بدأوا بالعودة حتى خرجت قضية مطعم العجوز والبحر والتحريض عليه التي أعادت المقاطعة من جديد، ومؤخرًا بدأت الأحوال تتحسن أما سكان يافا اليهود، فالمجمل التعامل استمر كما هو، فكل شخص يعرف من هم جيرانه، ولكن أنا كشخص نحو 90% من زبائن محله من اليهود، أقول لك بأن الأمور عادت للتحسن بالشهر الأخير، وهي نفس المدة التي ضعفت بها التجارة في يافا بأحداث 2000 كما نسمع من الذين عملوا في تلك الفترة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]