يوافق الأربعاء الذكرى الأولى الأليمة لانفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب/أغسطس عام 2020، والذى أدى لمقتل 214 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 6500 آخرين بعد انفجار 2750 طنا من نترات الأمونيوم، وعدّ أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.. يحيي اللبنانيون هذه الذكرى في ظل تردّ كبير للحالة الاقتصادية للبلاد وتدهور سعر الليرة لمستويات غير مسبوقة أمام الدولار وارتفاع مستويات الفقر وتعثر التحقيق في أسباب هذه الكارثة وتحديد المسؤولين عنها إضافة إلى الفشل في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها مسؤولية النهوض بالبلاد.

يحيي اللبنانيون الأربعاء ذكرى مرور عام على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمر أحياء في المدينة وفاقم انهيارا اقتصاديا ينهش البلاد، مطالبين بالعدالة ومنتقدين انعدام محاسبة المسؤولين عن الانفجار المروع. وبالتزامن، تعقد الدول المانحة عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، مؤتمرها الثالث منذ الانفجار "من أجل لبنان"، تأمل أن تجمع خلاله مبلغ 350 مليون دولار.

ودعت أحزاب معارضة ومجموعات ناشطة تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة إلى مظاهرات في مناطق عدة من بيروت، تحت شعار "العدالة الآن".

وفي الرابع من آب/أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق مساء (15:00 ت غ) انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دمارا ضخما في المرفأ وأحياء في محيطه وطالت أضراره معظم المدينة وضواحيها. وعزته السلطات إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ العام 2014 في العنبر رقم 12 في المرفأ.

قتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل بينهم موظفون في المرفأ وعناصر فوج إطفاء كانوا يحاولون إخماد الحريق، كما قُتل أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط وآخرون في سياراتهم أو في الطرق والمقاهي والمحلات. ودفنت عائلات كثيرة مجرد أشلاء بقيت من أبنائهم.

وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، ما زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.

وأعلنت السلطات الأربعاء يوم حداد. لكن لا مشاركة رسمية أو لأي مسؤول في أي من التحركات العديدة التي نظمت لإحياء الذكرى.

ودعا أهالي الضحايا إلى مسيرات تنطلق عند الساعة الثالثة والنصف (12:30 بتوقيت غرينتش) في اتجاه المرفأ حيث ستتم تلاوة صلوات إسلامية ومسيحية. وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، أي لحظة وقوع الانفجار، ستُتلى أسماء ضحايا الانفجار.

كما ستنطلق من مناطق عدة في بيروت مظاهرات دعت إليها أحزاب ومجموعات معارضة ومحامون وأطباء، على أن تلتقي قرب المرفأ قبل أن تتوجه إلى مجلس النواب.

وخلال مؤتمر صحافي الاثنين، حدد أهالي الضحايا مهلة 30 ساعة للمسؤولين لرفع الحصانات عن مسؤولين استدعاهم قاضي التحقيق طارق بيطار ليمثلوا أمام القضاء. وقال والد أحد الضحايا إبراهيم حطيط "صبرنا حتى نفد صبرنا... الرابع من آب هو يوم وجعنا".

"بوقاحة"

على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة، ينشر مستخدمون منذ أسابيع، صورا لهم مع شعار "العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت"، أو دعوات للتعبئة من أجل المشاركة في التجمعات والمظاهرات الأربعاء، مع شعارات وهاشتاغات مختلفة "#بدنا_نحاسب"، "كلنا ضحايا، كلهم مسؤولون"، "ارفعوا_الحصانات_الآن"، "لن_ننسى".

وأكدت مصادر قضائية لوكالة الأنباء الفرنسية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف اليوم عائقا أمام استدعاء نواب ووزراء سابقين ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية تبين أنهم كانوا يعلمون بمخاطر تخزين كميات هائلة من نترات الأمونيوم في المرفأ ولم يحركوا ساكنا لإخراجها منه، إلى التحقيق.

جانب من مظاهرة احتجاجية قرب منزل وزير الداخلية اللبناني في قريطم في غرب بيروت للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ في 13 تموز/يوليو 2021.
جانب من مظاهرة احتجاجية قرب منزل وزير الداخلية اللبناني في قريطم في غرب بيروت للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ في 13 تموز/يوليو 2021. أنور عمرو/ أ ف ب
وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتابا إلى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية وادعى على قائد الجيش السابق.

وأظهرت تقارير أولية أعدها جهاز أمني مباشرة بعد وقوع الانفجار واطلعت وكالة الأنباء الفرنسية عليها حديثا، أن أطنان نترات الأمونيوم كانت مخزنة إلى جانب مواد قابلة للاشتعال والانفجار، مثل براميل من مادة الميثانول والزيوت وأطنان من المفرقعات النارية، وفتيل.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء السلطات اللبنانية بانتهاك الحق بالحياة وجرم الإهمال بعدما أظهرت في تحقيق خاص تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نترات الأمونيوم. كما اتهمت منظمة العفو الدولية الاثنين السلطات بأنها تعرقل "بوقاحة" مجرى التحقيق في الانفجار.

انهيار غير مسبوق

وعمقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف العام 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة خلال عامين.

ومنذ انفجار المرفأ، يقدم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين من دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر.

وبالرغم من الأزمات المتلاحقة، فشل المسؤولون اللبنانيون بالتوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب إثر الانفجار، والتي لا تزال تقوم بمهام تصريف الأعمال. وفي 26 تموز/يوليو، كلف رئيس الجمهورية ميشال عون رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة بعدما فشلت محاولتان سابقتان في ذلك.

ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا خصوصا، في تسريع ولادة حكومة يشترط المجتمع الدولي أن تقبل بإصلاحات جذرية مقابل تقديم دعم مالي للبنان.

 

 



 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]