ساهر غزاوي
على طبق من ذهب تضع لنا منظمة العفو الدولية (أمنستي) تقريرها الذي نشرته في مطلع فبراي/ شباط الجاري بعنوان (الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة قاسٍ وجريمة ضد الإنسانية)، لا سيّما وأن التقرير يصف الممارسات الإسرائيلية في مناطق تحت سيطرتها الاحتلالية، ويشمل فلسطينيي الداخل أيضًا، بالفصل العنصري، وتنطبق تفاصيله بشكل فعلي مع خطوة إغلاق ملف التحقيق مع عناصر الشرطة المتورطين في مقتل الشهيد أحمد حجازي ابن مدينة طمرة بحجج واهية لا هدف لها إلا تبرير استسهال الضغط على الزناد وإطلاق النار على العربي بمجرد الشك بأنه عربي.

نعم، خطوة إغلاق ملف التحقيق مع عناصر الشرطة المتورطين في مقتل الشهيد أحمد حجازي تأتي من منطلق التعامل الإسرائيلي العدائي مع العرب الفلسطينيين في الداخل كـ “جماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج” كما ذكر تقرير (أمنستي)، وتندرج تحت إطار التعامل الإسرائيلي بعدائية مع العرب الفلسطينيين في الداخل، خاصّة وأن أكثر من 60 عربيًا قتلوا بدم بارد منذ العام 2000 وحتى يومنا هذا على خلفية قومية وعنصرية واسترخصت أرواحهم بفعل أجواء العنصرية السائدة تجاه العرب في هذه البلاد. (كما ذكرت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في بيانها حول إغلاق التحقيق في ظروف استشهاد حجازي).

صحيح أننا كفلسطينيين أصحاب هذه البلاد الأصلانيين نعيش منذ أكثر من سبعة عقود واقع وحقيقة ممارسات الفصل والتمييز العنصري والاضطهاد الديني والسياسي، ولم يأتِ علينا تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) بالتفاصيل الجديدة (مع التشديد على أهميتها)، بل ذقنا مرارة هذه التفاصيل وويلاتها وعذاباتها، غير أن الأهمية هنا تكمن في تعزيز هذا التقرير كنقاط قوة إيجابية لصالح نصرة قضية مسيرة شعبنا الفلسطيني وتخفيف الظلم عنه وتقوية وحدة الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة ومساءلة المؤسسة الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
 

في هذه المناسبة، من الجيد أن نسأل الخارجين عن قاعدة الإجماع الوطني في مسيرة شعبنا الفلسطيني من عرب الائتلاف

في هذه المناسبة، من الجيد أن نسأل الخارجين عن قاعدة الإجماع الوطني في مسيرة شعبنا الفلسطيني من عرب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ومن غيرهم من المنحازين إلى الرواية الصهيونية على حساب التمسك بالثوابت القيّمية والوطنية بأبعادها الإسلامية والعربية والفلسطينية؛ هل إغلاق ملف التحقيق في مقتل الشهيد أحمد حجازي يُعتبر من النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل وعلى أساسه يتم التعامل مع العرب الفلسطينيين كجماعة عرقية دونية؟ أم أن “الأفضل وصف الواقع بطرق موضوعية، وإذا كان هناك تمييز في مجال معين فسنقول إن هناك تمييزًا في هذا المجال المحدّد”!! كما صرح د. منصور عباس؛ رئيس القائمة العربية الموحدة الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية خلال مشاركته في ندوة نظّمها “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”؟؟

الذي لا بدّ من الإشارة إليه هنا، أن تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) قد أزعج كثيرًا المؤسسة الإسرائيلية، الأمر الذي جعلها تصفه بـ “الباطل والمنحاز والمعادي للسامية” لأن كل مساعيها للحيلولة دون نشر التقرير باءت بالفشل لما يحمل من تداعيات عالمية على مكانتها والتعامل معها بصورة سلبية يمكن أن يؤدي إلى إبعاد إسرائيل عن أحداث دولية مثل؛ مباريات وأحداث ثقافية، كما توقع ضابط إسرائيلي رفيع المستوى في مقال له في صحيفة “هآرتس” الأسبوع الأخير، لا سيّما وأن فرضية تحقق توقع الضابط الإسرائيلي تتوافق تمامًا مع ما يحدث في دول العالم الغربي، وإن كانت إسرائيل تحظى بدعم الحكومات، إلا أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم شعبي غير مسبوق في هذه الأيام التي تتزامن مع نشر تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

المؤسسة الإسرائيلية منزعجة كثيرًا من هذا التقرير، لأن فرضية توقع الضابط الإسرائيلي تتوافق مع تصريحات لأول رئيس حكومة إسرائيلي (بن غريون) الذي حذر قائلًا: “من يعتقد أنه يمكن الآن أن نحل بالقوة العسكرية فقط مسائل تاريخية بين الشعوب، فهو لا يعرف في أي عالم نحن نعيش، كل قضية محلية تصبح الآن قضية دولية، لذلك، علاقاتنا مع شعوب العالم لا تقل أهمية عن قوتنا العسكرية”.
 

كيف باستطاعتنا أن نُحسن التعامل مع تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي هو بمثابة الفرصة الذهبية؟

ختاما، يبقى السؤال: كيف باستطاعتنا أن نُحسن التعامل مع تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي هو بمثابة الفرصة الذهبية؟ وكيف ننجح في استثمار هذه الفرصة واستغلالها وتوظيفها كما يجب إعلاميًا وميدانيًا على جميع الأصعدة وكافة الأطر لصالح نصرة قضية مسيرة شعبنا الفلسطيني وتخفيف الظلم عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، خاصّة ونحن نشهد في هذه الأيام تنامي وتصاعد ملحوظ لأصوات الانتقادات الرافضة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الابرتهايد) في عدة دول غربية، إن كانت من خلال نماذج مؤثرة من حملات المقاطعة الثقافية والفنية للإسرائيليين في العالم الغربي، أو من خلال حملات منظمات حقوقية تطالب الاتحاد الأوربي بحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية على اعتبار أن الاتجار بالمنتجات المنتجة في المستوطنات ضمن أراضٍ محتلة أو معها، يساعد في استمرار هذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، ويرسّخ انتهاكات حقوقية غالبا ما تنجم عن المستوطنات، مثل مصادرة الأراضي، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهجير السكان المحليين والتمييز ضدهم، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي تنضم إلى أكثر من 100 منظمة مجتمع مدني، وحركة شعبية، ونقابات، وسياسيين في دعم “مبادرة المواطنين الأوروبيين”.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]