انتخبت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة قائمتها يوم السبت الماضي، ولم تشهد القائمة أي تغيير في المقاعد الثلاثة الأولى، فيما انتخب للمقعد الرابع، عضو الكنيست السابق، يوسف العطاونة من النقب.

وأثارت انتخابات الجبهة جدلًا كبيرًا في الشارع العربي ما قبل الانتخابات، بين من تعجبهم القائمة كما هي خصوصًا وأن أعضاء القائمة لم يكملوا الـ8 سنوات بعد، وبين من طالبوا بالتغيير، ومن احتجوا على عدم ترشح النائب السابق يوسف جبارين، ومن ينتقد النائبين عايدة توما سليمان أو أيمن عودة، وبين من يرى بترشيح عوفر كسيف كمرشح يهودي في المقعد الثالث، مجاملة كبيرة، وخطأ استراتيجي، بحجة أن تقسيم المقاعد يجب أن يكون متناسبًا مع عدد الأصوات التي قد يجلبها هذا المرشح، وأن عدد المصوتين اليهود للجبهة والقائمة المشتركة قليل جدًا وهذا معيار مهم يجب على قيادة الجبهة العمل وفقه وتأخير المرشح اليهودي للمقعد الرابع على الأقل أو حتى الخامس.

حالة استياء كبيرة تنعكس على نسبة التصويت

ولا شك أن هذه الجدالات التي تثار هي جزء من استياء المجتمع العربي من الحالة السياسية والذي ينعكس وفق الاستطلاعات بانخفاض كبير في نسبة التصويت لدرجة تقلق الأحزاب بشكل كبير، فالمشتركة التي كانت تحصل في الاستطلاعات بالانتخابات الماضية على 7-8 مقاعد، وحصلت على 6 في النهاية، تمنحها الاستطلاعات الآن 6 مقاعد، ويتوقع بأن تكون نسبة التصويت أقل بكثير من المرات السابقة، وهذا أمر يمكن ملاحظته في الشارع، وطبعًا هذا يشمل وضعية القائمة الموحدة أيضًا التي يحاول زعيمها د. منصور عباس مؤخرًا تهدئة الأجواء في المجتمع والتحدث بشكل رسمي ويدعو الناس للتصويت لإحدى القائمتين العربيتين، وقد توقف فجأة عن التهجم على المشتركة وانتقادها.

قد يكون أكثر ما يردده الناس في الشارع "بدنا وجوه جديدة" أو "زهقنا"، وحالة اليأس ممكن فهمها، لكن في الحقيقة توجيه الذنب للأحزاب العربية فيه شيء في الظلم، فحالة اليأس سببها تكرار الانتخابات في كل سنة مع وضع سياسي واقتصادي واجتماعي يتجه نحو الأسوأ في كل مرة، وفي الوقت الذي تساهم هذه الظروف في استقطاب الشارع اليهودي وتوجهه نحو التصويت لمرشحيه، وبشكل خاص اليمين من منطلقات قومية، تسبب هذه الظروف بالمزيد من اليأس في الشارع العربي، الذي لا يرى في الأفق أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، ولا يرى أي حل لظاهرة الاجرام المتفشية فيها وظواهر الغلاء ومشاكل الإسكان وغيرها، فيما تقف الأحزاب العربية عاجزة عن تغيير هذا الواقع، بل وتتفرق بينها وتهاجم بعضها البعض. وكل هذا بالإضافة إلى حقيقة أن تكرار الانتخابات عدة مرات، والدعايات الانتخابية، جعلت الناس يشعرون بأن أعضاء الكنيست العرب يتواجدون في مناصبهم منذ سنوات طويلة، وهم بالفعل لم يكملوا الدورتين حتى. فمعظمهم (باستثناء الطيبي) بدأوا بعد عام 2015.

ولا بد من الذكر بأن قضية دخول الموحدة للحكومة والنهج الجديد ساهمت بشكل كبير بتعاظم حالة اليأس، من جهة، نهج الموحدة، بالسكوت عن كل جرائم الاحتلال وكل السياسات العنصرية والتخلي شبه الكامل عن الخطاب والموقف القومي مقابل ميزانيات وخدمات، هو نهج مرفوض لدى شرائح كبيرة في المجتمع العربي. ومن جهة أخرى، فإن قسم كبير من هذه الشرائح لا يرى أي جدوى من نهج القائمة المشتركة، أو لا يفهم الجدوى من وجودها، في ظل تعاظم العنصرية وتقلص الامل.

بضع عشرات الأصوات اليهودية التي لا تقدمّ ولا تؤخر

"مع كل هذا الواقع السيء والمقلق، كان على الجبهة أن تقوم ولو بتغيير واحد على الأقل في قائمتها، صحيح أن ترشح يوسف العطاونة في المقعد الرابع قد يعزز الوقف في النقب ولكن نحن نعرف أننا نتحدث عن موقع غير مضمون نهائيًا" يقول ناشط في الجبهة فضل عدم ذكر اسمه، ويضيف : "عندما قرر د.يوسف جبارين عدم الترشح، كان على الجبهة العمل على احداث تغيير في قائمتها لأنها تبدو باهتة في عيون شرائح كثيرة في المجتمع، مثلًا كان يجب العمل أن يكون يوسف العطاونة في الموقع الثالث المضمون في مكان عوفر كسيف، ففي حسابات الانتخابات، عدد الأصوات مهم جدًا، وقارنوا بين عدد الأصوات التي ممكن أن يجلبها وضع يوسف العطاونة في موقع مضمون مقابل عدد الأصوات التي سيجلبها عوفر كسيف، بضع عشرات الأصوات اليهودية التي لا تقدمّ ولا تؤخر. مع كل الاحترام لعوفر كسيف ومواقفه المبدأية ومع كل التقدير لأهمية الشراكة العربية اليهودية ولكن في حساب الأصوات هو لا يضيف شيئا للجبهة وللمشتركة، عندما كانت المشتركة قوية وكبيرة لم يكن لوجوده في مكان مضمون أي مشكلة، وبالمناسبة وقتها حصلت المشتركة على عدد أصوات كبير بين اليهود، ولكن اليوم الأمر مختلف، وكل صوت مهم بالنسبة للجبهة وللمشتركة، ونحن نرى الموحدة تخصص الموقع الثالث للنقب وقد تخصص الخامس أيضًا وفي المقابل لا تفعل الجبهة أمر كهذا، حتى الليكود والأحزاب الكبرى تخصص المقاعد حسب كمية الأصوات، ونحن نقوم بعكس ذلك ولا أفهم لماذا".
"بالإمكان الحفاظ على الشراكة العربية واليهودية أيضًا اذا أخرنا المرشح اليهودي للمقعد الرابع، ولا أظن أن بعض مئات اليهود الذين يصوتون للجبهة وللمشتركة، سيغيروا من وجهتهم اذا تم تأخير المرشح اليهودي للمقعد الرابع، وهذا لا يمس بالمبدأ، وحتى لو كانت الكتلة بدون عضو كنيست يهودي، المهم أن يبقى الخطاب قائمًا والمبدأ، أما الآن فنحن في سباق من أجل الأصوات ويجب أن نسعى لأن تكون قائمتنا مشجعة للناس وجاذبة للأصوات".

الحالة الجنوب أفريقية

الأصوات التي دعت لتأخير موقع المرشح اليهودي، كانت غالبًا إما أصوات فردية أو مطالبات في حديث غير رسمي، أما معظم الأصوات داخل الجبهة، فإن موقفها في غاية الوضوح، بضرورة بقاء مرشح يهودي ضمن المواقع المضمونة، واثبات على ذلك التصويت بنسبة عالية جدًا لعوفر كسيف، علمًا بأن أحد منافسيه على الموقع الثالث كان علي هيبي من كابول. يقول عضو المكتب السياسي للجبهة رجا زعاترة، وهو عضو في بلدية حيفا عن كتلة الجبهة: "موضوع الشراكة العربية اليهودية في الجبهة أمر مبدئي متجذّر منذ عشرات السنين. وأعتقد أنه صحيح لأنّ تجارب التحرّر الوطني – وأبرزها وأقربها إلى حالتنا هي حالة جنوب أفريقيا – اعتمدت على تحالف الشعب المقموع (الأسود) مع القوى التقدّمية بين الشعب القامع (الأبيض) من أجل تفكيك نظام القمع. ومن مصلحتنا كأقلية قومية أن يكون هناك إلى جانبنا يهود يناهضون الاحتلال والعنصرية، وهذا مهم محليًا وللرأي العام العالمي كذلك. ونلحظ في السنوات الأخيرة أن الكثير من القوى تبنّت مبدأ الشراكة هذا، لكن الشراكة التي نطرحها نحن تتميّز عن سواها بأنّها شراكة من أجل تغيير الواقع، وليس لتجميله وتكريسه.

"عدد الأصوات اليهودية ليس المقياس الحصري، علمًا بأن المشتركة قبل عامين حصلت على نحو 20 ألف صوت من المجتمع اليهودي. فالأساس هو وجود قطب يساري واضح، معاد للصهيونية فكرًا وممارسة. وهو ما تتعاظم أهميته في ظل تغييب القضية الفلسطينية حتى لدى قوى مثل "ميرتس" وحزب "العمل" التي تراجعت بشكل كبير عن طرح قضية إنهاء الاحتلال ضمن سلم أولوياتها وخطابها السياسي والانتخابي".

كسيف يمثل مصالح مجتمعنا ومخلص لها أكثر من النواب العرب الذين يؤيدون ميزانيات الاستيطان ومنع لمّ الشمل 

وتحدث زعاترة عن النائب عوفر كسيف بشكل خاص: "قد يكون هناك تحفّظ لدى البعض من أسلوب كسيف الخشن، والذي يضع مرآة مزعجة وصادمة أمام المجتمع الإسرائيلي ويتحدّى مزاجه الفاشي المتعطش للمزيد من القمع. مع العلم بأنّ عوفر صاحب تخصّص أكاديمي في موضوع نشأة الحركات الفاشية والنازية. هناك من يميل أكثر إلى أسلوب النائب السابق دوف حنين الذي خاطب شرائح أوسع وحاول التأثير عليها وبناء تحالفات فضفاضة. وقد يرى البعض أنّ موقع المرشح اليهودي يجب أن يكون الثاني أو الرابع أو الخامس. وهذه كلها اجتهادات مشروعة، لكن لا أحد في الجبهة يرفض مبدأ الشراكة كمبدأ. وفي نهاية المطاف فإنّ مجلس الجبهة – ذا الأغلبية العربية الكبيرة - قال كلمته وصوّت بأكثرية كبيرة (67%) لعوفر. وبالتأكيد فإنّ النائب كسيف يمثل مصالح مجتمعنا ومخلص لها أكثر من النواب العرب الذين يؤيدون ميزانيات الاستيطان ومنع لمّ الشمل وغيرها من السياسات الحكومية المعادية لشعبنا ومجتمعنا.

فكر ونهج الجبهة والحزب الشيوعي الذي يؤمن بالشراكة العربية اليهودية المتساوية 

"الشراكة العربية اليهودية مهمة وهي جزء من الطرح السياسي الذي تمثله الجبهة، وبالتالي من المهم أن يكون أحد المرشحين في القائمة يهوديًا، والحقيقة أن عوفر كسيف لديه مواقف مبدأية مناهضة للسياسات العنصرية وللاحتلال، أكثر حتى من بعض أعضاء الكنيست العرب"، يقول المهندس شريف زعبي، مركز كتلة الجبهة في بلدية الناصرة سابقًا، وأحد المرشحين المتوقعين للمنافسة على رئاسة بلدية الناصرة عن الجبهة وهو عضو في مجلس الجبهة القطري، ويضيف: "قائمة الجبهة قوية وتمثل مختلف الأطياف، والأهم أن النواب فيها لديهم رصيد كبير وهم في الكنيست منذ أقل من 8 سنوات، بمعنى أنهم لم يكموا دورتين كاملتين، وهذه فترة عادية لعضو كنيست. لمناهضة العنصرية والاحتلال ولمواجهة الأحزاب الصهيونية وخصوصًا أحزاب اليمين، ولأختراق الشارع اليهودي نحتاج إلى قائمة عربية يهودية قوية ، فهذا هو فكر ونهج الجبهة والحزب الشيوعي الذي يؤمن بالشراكة العربية اليهودية المتساوية من أجل السلام العادل والمساواة، لذلك فإن الأصوات المعارضة لوجود مرشح يهودي في موقع مضمون، تبقى في إطار الأصوات الفردية ولا تنعكس أبدًا في التصويت، فأكثر من 86% من أعضاء الجبهة صوتوا لعوفر كسيف ونوعا ليفي".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]