وصلت الإمبراطورية الرومانية القديمة إلى نهايتها قبل حوالي 2000 عام، ومع ذلك، لا يزال يمكننا اليوم العثور على بصماتها في أنحاء أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.



ففي مدينة نيم الواقعة جنوب فرنسا، مثلاً، لا تزال أبراج القنوات الرومانية تطل على المناظر الطبيعية بارتفاع أي مبنى سكني حديث لعصرنا الحالي، بينما في بومبي، جنوب إيطاليا، تقف أعمدة الحمام الروماني القديم مستقيمة وغير متآكلة رغم مرور آلاف السنين على تشييدها.

وتشهد هذه الهياكل على تقنيات البناء الرومانية الرائدة، والتطور الذي حظي به الرومانيون قبل آلاف السنين، والتي لا تزال علاماته وبعض أساليبه مستخدمة حتى يومنا هذا.

تطور روما القديمة وحضارتها العملاقة
اشتهرت روما القديمة بأنها موطن مسرح الكولوسيوم الضخم، وعشرات المعابد المحاطة بالأعمدة والكثير من الحمامات، لكن المدينة كانت مليئة أيضًا بعدد من الابتكارات المثيرة للدهشة، بدءًا من الغرف المكيّفة إلى عمال البريد والصحف والكتب وغيرها.



صناعة الكتب المتينة بالغلاف المقوّى
تم تطوير المخطوطات للمرة الأولى في مصر القديمة، وكانت تُستخدم طوال قرون كوسيلة رئيسة ووحيدة لحفظ الوثائق المكتوبة، وكان من السهل تخزينها ونقلها، ويمكن صنعها من مجموعة متنوعة من المواد، أبرزها آنذاك ورق البردي.

لكن في وقت ما خلال القرن الأول الميلادي، أضيفت الكُتب والمجلدات إلى قائمة الاختراعات الرومانية. ويعني مصطلح مجلد المخطوطات (Bound Books) ذات الأغلفة الورقية المقواة، والتي يتم تخييطها بعناية من طرفي الصفحات الخارجية لحمايتها.

وعلى عكس المخطوطات الملفوفة، استخدمت الكتب المجلدة عناوين جانبية وشروحات سمحت للقارئ بمعرفة محتوى أجزاء من النص بسهولة، من دون الحاجة إلى البحث والتصفح اللانهائي للملفوفات الورقية المطوية.

الصحف والجرائد
تمكن سكان روما القديمة من الوصول إلى معلومات حديثة باستمرار حول الشؤون الجارية التي تحدث في المدن في أرجاء المملكة الشاسعة. فجرى نَقش "أكتا ديورنا" (Acta Diurna)، وتعني باللاتينية "الأعمال اليومية"، على ألواح كبيرة من الحجر أو المعدن، ثم نُصبت في مكان عام لأي شخص يستطيع القراءة للبقاء مطلعًا على الحوادث والمستجدات، ليصبح هذا أحد أكثر الاختراعات الرومانية فائدة للناس عبر التاريخ تقريبًا.

تم إنشاء أول "أكتا"، أو صحيفة رومانية، عام 59 قبل الميلاد، بأمر من يوليوس قيصر، واستمر التقليد حتى عام 222 بعد الميلاد في عهد سيفيروس ألكسندر.

إلى جانب الإشعارات المهمة حول المهرجانات الدينية ونتائج المحاكمات القانونية البارزة التي شغلت العامة، أبلغت هذه الصحف الحجرية الشعب الروماني عن الأحداث الترفيهية المنتظر تنظيمها، وحتى القراءات الفلكية والتنجيم.



حشوات الأسنان
وضع الرومان سجلات طب الأسنان في عام 2600 قبل الميلاد. ومن روما القديمة، أيضًا، يأتي أقدم دليل مادي على قدرة القدماء على إصلاح التجاويف.

ففي عام 100 قبل الميلاد، قام كاتب روماني يُدعى سيلسوس بتجميع مجموعة شاملة من تركيبات حشوات الفم ونصوص تشرح العملية، بما في ذلك تعليمات حول كيفية إصلاح الأسنان المخلخلة، وعلاج آلام الأسنان، وتهدئة الأطفال في مرحلة التسنين.

وبحلول عام 1998، اكتشف علماء الآثار بقايا بشرية في فرنسا تعود إلى القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد، ووجدوا غرسًا حديديًّا في بعض أسنان وضروس البقايا البشرية.

وكشفت التحقيقات الإضافية أن الحشو تم تشكيله على شكل تجويف أسنان الرجل، من خلال عملية طرق ساخنة وطي المعدن المنصهر. وسمح هذا الاكتشاف لعلماء الآثار والأنثروبولوجيا بمراجعة ما عرفوه عن ممارسات طب الأسنان في العالم القديم.

تكييفات الهواء الداخلية
وفيما اختار قدماء المصريين اتقاء الحر عن طريق تعليق نباتات وأقمشة مبللة على إطارات الأبواب، كانت الاختراعات الرومانية أكثر فاعلية في هذا المجال. ولم تكن القنوات الشهيرة التي بناها الرومان عبر إمبراطوريتهم تُستخدم فقط لمياه الشرب، ولكن أيضًا لتبريد منازل النبلاء والأثرياء من علية المجتمع.

وكان يتم تحويل المياه من مصدرها الرئيس لكي تمر عبر الأنابيب في الجدران والأرضيات لتوفير تبريد داخلي يقي السكان من الحرارة الشديدة.


نوعيات من الإسمنت المتين
ما زالت بعض أقدم الأبنية الرومانية قائمًا حتى الآن، مثل البانثيون والكولوسيوم والمنتدى الروماني، وذلك لأن الرومانيين دمجوا مساحيق البناء مع الصخور البركانية لإنشاء مادة هيدروليكية تشبه الإسمنت، أطلقوا عليها اسم "الخرسانة" أو Concrete، والتي تعني حرفيا "تنمو معًا" باللغة اللاتينية.

نظام البريد
أنشأ الإمبراطور أوغسطس الروماني نظام البريد، الذي عُرف باسم (Cursus Publicus)، في عام 20 قبل الميلاد تقريبًا. وكانت خدمة بريد سريع، بتفويض من الدولة وتحت إشرافها، نقلت الرسائل وعائدات الضرائب بين إيطاليا والمقاطعات بشكل سلس. وكان النظام يشمل نقل البشر أيضًا، مثل المسؤولين الذين احتاجوا إلى السفر السريع عبر مسافات طويلة.

آنذاك، استُخدمت عربات تجرّها الخيول، تُعرف باسم "ريدا" (Rhedæ)، خُصصت لهذا الغرض. وفي يوم واحد، كان يمكن لعربة البريد الواحدة أن تقطع مسافة 50 ميلاً دفعة واحدة.

وبفضل شبكة واسعة من الطرق المرصوفة، كان النظام البريدي القديم في روما ناجحًا، وعمل حتى القرن السادس في أرجاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية."الجزيرة" 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]