من هُم القادة الأربعة الذين يحتلّون قائمة الاغتيالات الإسرائيليّة حاليًّا؟ وهل يجرؤ نِتنياهو على تنفيذها بعد انتهاء “هُدنة” شهر رمضان المُبارك “الإجباريّة” ولماذا تتعجّل أمريكا عقد لقاء ثالث لمنظومة العقبة قبل نهاية الشّهر الحالي؟ وكيف سيتم تسخين جبهة جنوب لبنان في الأيّام المُقبلة؟

عبد الباري عطوان
القاعدة “الخشبيّة” التي تتبنّاها الحُكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة مُنذ ما يَقرُب السبعين عامًا، تتلخّص في إطلاق تهديدات باغتيال القادة الفِلسطينيين بهدف إرهابهم، ودفعهم إلى عدم الإقدام على أيّ هجماتٍ عسكريّةٍ ضدّ الاحتِلال ومُستوطنيه، ولكنّها جميعها لم تُعطِ أُكُلَها، وجاءت بنتائجٍ عكسيّةٍ تمامًا.
بنيامين نِتنياهو الذي يُواجه الفشل والإحباط داخليًّا وخارجيًّا، وبشَكلٍ غير مسبوق في تاريخ دولة الاحتِلال القصير جدًّا، والمُقترب بشَكلٍ مُتسارع من نهايته، لجَأ إلى القاعدة نفسها مساء أمس عندما هدّد “بتفعيل” سياسة الاغتِيالات في الضفّة، والقِطاع، وجنوب لبنان بعد انتهاء “هُدنة” شهر رمضان “الإجباريّة” حسب تعبير المُقرّبين منه، وأبرز المُستهدفين أربعة: السيّد حسن نصر الله، زياد النخالة، صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، والرّابع يحي السنوار قائد الحركة في قِطاع غزّة، الذي ألقى خِطابًا ناريًّا وسط الجماهير قبل بضعة أيّام وفي ميدانٍ عام بالقِطاع مُتَحَدّيًا.

نِتنياهو أجبن من أن يُقدّم على تنفيذ تهديداته هذه، لأنه يعلم جيّدًا، وفي ظِل وحدة السّاحات والجبَهات الحاليّة المُتعاظمة، أنّ الرّد سيكون مُزلْزِلًا، ولن يقتصر على عدّة رشقات صاروخيّة، وإنّما قد يتطوّر إلى حربِ دمارٍ إقليميّةٍ شاملة، واقتِحام برّي مدروس بغِطاءٍ صاروخيّ لتحرير أراضٍ فِلسطينيّة أهمّها مِنطقة الجليل.
***
ما يدفعنا للوصول إلى هذه النتيجة عدّة مُعطيات رئيسيّة:
الأوّل: تحذير السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” في خِطاباته الأخيرة نِتنياهو وأجهزة مُخابراته وعُملاءه المحلّيين، من الإقدام على أيّ عمليّة اغتيال على الأرض اللبنانيّة لشخصيّاتٍ لبنانيّة أو فِلسطينيّة، أو من أيّ جنسيّاتٍ أُخرى، سيُواجَه بردٍّ حازمٍ وفوريّ.
الثاني: رد حركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على هذه التهديدات باغتيال قياداتها عبر الناطقين باسمها جاء سريعًا ومُؤكّدًا بأنّ الأصابع على “زناد الصّواريخ” سيكون مُكلفًا جدًّا.
الثالث: عندما أقدمت المُخابرات الإسرائيليّة على اغتيال الشهيد يحيى عياش في قِطاع غزّة عام 1995، هدّدت حركة “حماس” بتنفيذ أربع عمليّات استشهاديّة ثأرًا له، ونفّذتها الواحدة تلو الأُخرى، في تل أبيب، والخضيرة، والقدس الغربيّة المحتلّة، مما أدّى إلى سُقوط حواليّ خمسين قتيلًا إسرائيليًّا ومِئات الجرحى، ولم تكن حركة “حماس”، ولا المُقاومة الإسلاميّة في جنوب لبنان تملك حينها صواريخ دقيقة مثلما هو الحال الآن.
الرابع: كسر حالة الصّمت المُقاوم في جنوب لبنان، وتأسيس قواعد صاروخيّة قُرب الحُدود الفِلسطينيّة المحتلّة تتمثّل فيها جميع الفصائل المُقاتلة، حماس، والجهاد، والجبهة الشعبيّة، وفتح كتائب الأقصى، وبإشراف وتدريب وتسليح مُباشر من “حزب الله”، وبقيادة غرفة عمليّات عسكريّة مُوحّدة.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي، والولايات المتحدة وداعمها الرئيسي على درايةٍ كاملةٍ بتفاصيل هذه التطوّرات المُرعبة، وتسعى الأخيرة، أيّ الولايات المتحدة، إلى عقد قمّة ثالثة لمنظومة العقبة في مُنتجع شرم الشيخ المِصري قبل نهاية شهر نيسان (ابريل) الحالي، بحُضور الأردن ومِصر والسّلطة الفِلسطينيّة ومُستشار نِتنياهو الأمني برئاسة أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي.
الوثائق الأمريكيّة السريّة التي جرى الكشف عن مضمونها قبل أسبوعين تؤكّد أن السّلطة الفِلسطينيّة لم تتوقّف مُطلقًا عن التنسيق الأمني مع دولة الاحتِلال، بل زادت من وتيرته في الفترة الأخيرة بعد تصاعد عمليّات كتائب المُقاومة في جنين والقدس ونابلس وطولكرم، وأن كُل ما ورد على لسان رئيسها محمود عبّاس عن وقف أو تجميد هذا التّنسيق كان كذب فاضح وهذا ليس جديدًا على أيّ حال.
برشوةٍ ببضعة ملايين من “الشّيكلات” لهذه السّلطة من دولة الاحتِلال، هرولت الأخيرة للمُشاركة في مُؤتمريّ العقبة وشرم الشيخ، والقُبول بالخطّة الأمنيّة الأمريكيّة الإسرائيليّة المُشتركة لتصفية كتائب المُقاومة في الضفّة الغربيّة، وتوفير الحِماية للمُستوطنين واقتِحامهم لباحات الأقصى، وكنيسة القيامة، نقولها وفي الحلقِ مرارة، ولكنّ الله جلّ وعلا يُمهِل ولا يُهمِل.
***
نِتنياهو عندما أوقف الاقتحامات حتى نهاية شهر رمضان المُبارك، لم يكن كرمًا مِنه، ولا حِرصًا على قُدسيّة الشّهر الفضيل، وإنّما خوفًا ورُعبًا من تغيّرٍ حتميّ لقواعد الاشتباك، وتعزيز وحدة الجبهات بالرّد المُشترك من جنوب لبنان، وقِطاع غزّة، والضفّة الغربيّة، واليمن، والعِراق، وسورية، كما أنه لن يجرؤ على تنفيذ تهديداته بتفعيل سياسة الاغتيالات هذه، لأنه يُدرك جيّدًا أنّه بذلك سيفتح على دولة الاحتِلال كُل أبواب جهنّم وشبابيكها.
فإذا كان فصيل الجهاد الإسلامي الصّغير الحجم، الكبير الإرادة، أطلق 4000 صاروخ على مُستوطنات غلاف غزّة، وخاصّةً على أسدود وعسقلان، ثأرًا لاغتِيال الشهيد بهاء أبو العطا، تُرى كم عدد الصّواريخ التي ستُطلَق في حال اغتيال أيّ من المُجاهدين الثلاثة الذين يحتلّون قائمة الاغتِيالات الإسرائيليّة؟
نَشُك أن يشرب نِتنياهو حليب السّباع ويفعلها، وإذا فعلها، عليه أن يَكتُب وصيّته، ووصيّة كيانه الأخيرة.. والأيّام بيننا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]