حتى عد وإحصاء جرائم القتل في المجتمع العربي، بات غير ممكن، فغالبًا، حتى في لحظة كتابة ونشر التقرير، سيكون هنالك شخص يطلق النار على آخر في إحدى البلدات العربية، فالأرقام باتت غير طبيعية، وليس هنالك أي مبالغة في ما اكتبه.

بلغ عدد جرائم القتل عند تحرير ونشر هذا التقرير، 69 جريمة، 4 منها خلال آخر 24 ساعة، في شفاعمرو والناصرة وتل السبع وقلنسوة، ومنها جريمة بشعة وقعت في اليوم الأول من هذا الشهر والتي راحت ضحيتها براءة مصاروة مع ولديها آدم وأمير وتم اعتقال الوالد المشتبه. حتى نهاية شهر أبريل بلغ عدد جرائم القتل في المجتمع العربي 61 قتيلًا (يشمل القتلى بمنطقة القدس) بينما في أعوام سابقة على سبيل المثال، ورغم أن الأرقام كانت مرتفعة جدًا، ولكن مثلًا في عام 2019 كان عدد الجرائم مع نهاية شهر ابريل، 20 جريمة، في عام 2020 كان عدد القتلى 21، وفي العام 2021 كان عدد الجرائم 37 وكان عامًا دمويًا بامتياز وخرجت مظاهرات عديدة ضد العنف، وفي العام الماضي (عام حكومة بينيت- لبيد) بلغ عدد القتلى مع نهاية أبريل 26 قتيلًا.

معظم القتلة لا يتم القبض عليهم .. يعيشون بيننا

وبين القتلى هذا العام، 4 نساء و 6 أطفال (تحت سن 18 عامًا)، أما نسبة حل الجرائم فتراوحت في السنوات الأخيرة بين 20-33%، وهذا العام، توصلت الشرطة للقتلة في 6 جرائم فقط من بين الـ61 جريمة، هذه النسب لا يمكن رؤيتها في أي من الدول المتقدمة في العالم، حتى في الدول العربية المجاورة مثل الأردن ولبنان، تبلغ نسبة حل جرائم القتل أكثر بكثير من هذه النسبة، وحتى في الضفة الغربية، علمًا بأن عدد الجرائم هناك أقل بكثير، هذه النسب ربما لا يمكن رؤيتها إلا في الدول التي تسيطر فيها كارتيلات وعصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، وربما هناك النسبة أعلى.

"من الواضح أن هنالك نقطة انكسار معينة، وقد حذرنا منها سابقًا، عندما قللت الحكومة من زخم العمل في مشروع مكافحة العنف، شعر عناصر الاجرام أنهم انتصروا، وعاشوا نشوة معينة أدت إلى ارتفاع منسوب الجريمة"، يقول مدير مركز "أمان"، المحامي رضا جابر، ويضيف: "هذا السبب بجانب السبب الآخر وهو أن هنالك جبهة حرب جديدة انفتحت بين عصابات معينة، بشكل أكثر وحشي، ولا يوجد فيها قواعد، الشعور بأنهم دخلوا إلى وضع نفسي لا حدود فيه لنوعية ووحشية الجرائم، وهذه الحروب بين الجماعات أو العائلات المعينة، ترفع منسوب الجريمة، واتذكر في الطيبة بسنوات التسعينات من القرن الماضي، عندما انتهى الخلاف بين العائلتين المتخاصمتين، تراجعت وتيرة الجرائم".

شعروا بأن الدولة تراجعت
ويؤكد جابر ان المشكلة الأساسي تتعلق بشعور عصابات الجريمة المنظمة أن الحكومة تراجعت:"بلا شك هنالك تفكير جماعي في هذه العصابات، شعروا بأن الدولة تراجعت، فتقدموا بشكل أكبر مما كان مسبقًا، ولا علاقة لتراجع الدولة بالاحتجاجات، فالاحتجاجات والمظاهرات ضد التعديلات القضائية تحصل في أيام معينة وفي ساعات معينة، ببساطة الدولة غيرت سياستها، الدولة هي تحرك قوتها من منطقة لمنطقة هذا حسب مشروعها السياسي، اليوم المشروع السياسي للدولة ليس لصالح المجتمع العربي انما ضده، الشرطة تخرج قوات لتنزيل علم عن بناية وتستطيع استخدامها في أمور أخرى، ولا تفعل ذلك، واضح أين تضع الشرطة قوتها".

الغالبية العظمى لجرائم القتل، كانت جرائم اطلاق نار، مع بعض التطور في نوعية الجرائم، وتكرار حالات تفجير السيارات والاختطاف، وهذا يعكس أيضًا مدى انتشار السلاح في المجتمع العربي ومدى سهولة الوصول إليه.

قتلة متسلسلين بيننا

وإذا كانت نسبة حل الجرائم في السنوات الأخيرة تتراوح حول الـ30%، يعني بالأرقام هنالك نحو 70% من القتلة وأحيانا أكثر، ما زالوا طلقاء ويعيشون بين الناس بشكل طبيعي، ولو عدنا 4 سنوات إلى الخلف، منذ عام 2019، وقمنا بحساب بسيط، لعدد جرائم القتل، الذي كان بمعدل نحو 110 جرائم في كل عام، فإن 70% من هذه يعني نحو 75 قاتلًا، في كل عام، لا يتم اعتقالهم ولا يُحاسبون، فتخيلوا كم عدد القتلة الذين يعيشون في المجتمع العربي، بين الناس، يتواجدون في المجتمعات التجارية وفي المستشفيات وفي المدارس مع أولادهم، وغالبًا بعضهم ولأنه لم يعاقب بجريمته الأولى، صار أسهل عليه تنفيذ جريمة ثانية، بمعنى أنه وغالبًا هنالك عدد من القتلة المتسلسلين في المجتمع العربي، في دولة إسرائيل، التي تعتبر نفسها دولة متقدمة ودولة أمنية!

وزير أمن داخلي .. لا يتحدث عن الجرائم
وزير الأمن الداخلي، ايتمار بن غفير، وخلال حملته الانتخابية، كرر الحديث عن العنف والاجرام في المجتمع العربي وأن ضمن مخططاته، محاربة هذه الظاهرة، وإذا أردنا أن نقول أن ارتفاع نسبة الجرائم في هذا العام لا يتعلق بهوية الوزير، الذي ما زال جديدًا في منصبه ولم يحصل على فرصته كافية، كما يدعي، ولكن كيف يتجاهل وزير أمن داخلي – أو قومي، هذا الارتفاع الرهيب في عدد جرائم القتل، فوفق مسح خاصّ لمؤشّر التمثيل بالتعاون بين جمعية "سيكوي- أفق" مع العين السابعة وشركة يفعات، تمّ رصد التصريحات التلفزيونيّة والإذاعيّة للوزير بن غفير على مدار ثلاثة الأسابيع الأولى من شهر نيسان والتي قُتل خلالها 15 مواطنًا عربيًّا. ظهر بن غفير 99 مرّة على وسائل الإعلام التي خضعت للفحص، ولكنّه لم يتطرّق ولو بكلمة واحدة لموضوع العنف في المجتمع العربيّ، ولم يُسأل قط عن هذا الموضوع، ولا بد أن هذا تتحمل مسؤوليته وسائل الاعلام الإسرائيلية، وليس الوزير نفسه فحسب.

"حتى عندما يتحدث بن غفير وغيره في الإعلام عن الجريمة في المجتمع العربي، لا يتحدثون عنها في النمط الذي نريده، يتحدثون عنها، بمنطق أن العرب مجرمين، ويجب أن ندافع عن أنفسنا منهم لأن هذه الجرائم ستصل إلينا نحن اليهود، بمعنى أنهم يتحدثون بخطاب يعزز كراهية اليهود ضد العرب وخوفهم من العرب" يقول رضا جابر، ويضيف: "حتى نحن، العرب الذين يتحدثون في الاعلام العبري، ودون أن نقصد، وقعنا في هذا الخطأ، وتحدثنا بسذاجة عن الجريمة وبدل أن يتعاطف معنا المشاهد اليهودي ويقول أن الدولة قصرت ولم تقم بواجبها، عززنا خطاب خوف اليهود من العرب أو الفوقية اليهودية ضد العرب".

هنالك من يقول أن ارتفاع عدد جرائم القتل بهذا الشكل، هو رسالة تحدي من عصابات الاجرام المنظم لوزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، ولكن هذه النظرية إذا قلتها أمام أي مواطن عربي في إسرائيل، أي شخص يعرف ما يحصل في الشارع، سيضحك ويسخر كثيرًا، فالحقيقة أن بن غفير حتى الآن لم يشكل أي تهديد لعصابات الاجرام، هو لا يذكرهم أصلًا في الاعلام، والحقيقة الأخرى، هي أن أفراد عصابات الاجرام، وخصوصًا الشبان الصغار منهم، غالبًا لا يعرفون من هو بن غفير، ولم يسمعوا بإسمه حتى، نحن نتحدث عن شريحة شبان، يفيقون من نومهم بساعات المساء، وتتمحور أعمالهم وجرائمهم في ساعات الليل، ولا يهمهم كل ما يجري في البلاد، ولا يهمهم كل ما يجري في مجتمعهم حتى، حتى أن عبارات وخطابات استنكار العنف والجريمة من قبل الناشطين والشيوخ والسياسيين في مختلف المنابر والساحات وفي مواقع التواصل، كلها لا تهم وربما لا تُسمع من قبل المجرمين. ولكن من جهة أخرى، فإن وجود وزير، غير مهتم كليًا، ولا حتى في التصريحات، بظاهرة خطرة ومنتشرة مثل ظاهرة الجريمة المنظمة المجتمع العربي، حتمًا سيسمح لهذه الظاهرة بالانتشار أكثر، لأن المشكلة الأساسية أصلًا والتي تسببت بتفشي هذه الظاهرة بهذا الشكل، هو غياب الدولة، غياب الشرطة، ضعفها، ربما المتعمد، لأننا نعرف جيدًا أن للشرطة الإسرائيلية كل الأدوات الممكنة كي تكون أقوى وأكثر تأثيرًا، والآن مع هذا التجاهل من قبل الوزير المسؤول عن عمل الشرطة، من الطبيعي أن يشعر المجرمون أن ليس هنالك من يلاحقهم، أنهم في أمان تام لإتمام مشاريعهم الإجرامية. وهنالك في الشارع من يقول أن الشرطة تتعمد السماح لهذه الحرب بين العصابات الاجرامية أن تستمر في الاغتيالات المتبادلة، وأن هذه العصابات تقوم للشرطة بعملها، علمًا بأن ليس كل الضحايا هم من المجرمين. وهنالك نظرية أخرى، تقول ان تجاهل الوزير بن غفير لكل ما يجري، هو تجاهل مقصود، بهدف اثبات نظريته لأهمية الحاجة لحرس قومي، والإسراع في إقامته.

استغلال اليمين

" الجريمة صارت أداة في يد اليمين، لضرب المجتمع العربي اكثر، نحن في صراع بدائرتين، الصراع الطبيعي مع الدولة، والصراع مع اليمين المستفيد من معاناتنا، اليمين معني بوضعنا في صراع أكبر مع الشرطة" يقول المحامي رضا جابر محللًا سكوت الحكومة، ويضيف:" الحكومة تبني لمشروع صدام مع المجتمع، الجريمة يتم استخدامها من قبل اليمين لخطاب قومي كما حدث بأحداث أيار 2021، وباعتقادي حتى لو أرادت هذه الحكومة أن تفعل شيئًا، سيكون عملها مركزًا على المدن اليهودية التي يظهر فيها بعض مخالفي القوانين العرب، مثلًا بئر السبع، وستترك العرب في رهط يقتلون بعضهم البعض".

وعبر جابر عن استيائه الشديد من حالة الركود التي تعم الشارع العربي، والاعتياد على الجرائم والتوقف عن الاحتجاج حتى: "نحن لم نعد نتحرك، توقفنا عن التظاهر وتوقفنا عن الاحتجاج، نخرج نحن بمؤسسات المجتمع المدني نتحدث بعض الكلمات التي باتت كأنها رفع عتب، لأننا لا نستطيع فعل شيء باستثناء تحليل الموضوع، لا تستطيع تغيير الواقع، والجبهة الداخلية في المجتمع العربي، لا تفعل أي شيء، اعتدنا على تكرار الجرائم، وهذا أسوأ ما في الأمر".

الحل؟
ويعتقد جابر أن الحل يأتي من داخل المجتمع العربي "الحل المنطقي هو أن نطلب من الدولة، لكننا طالبنا وطالبنا ولم تستجب، لذلك علينا كمجتمع اجبار الدولة بأن تتحرك، علينا كسر قاعدة التفكير، علينا احداث تنظيم داخلي بمستوى الحدث، وأن يصل المجتمع لنتيجة أن هؤلاء المجرمين خطر على الجميع، مستوى الاحتجاج يجب أن تنظم المجتمع بشكل عميق، في الشارع والاحياء، وأن يدخل المجتمع بحالة ذهنية ان هنالك سرطان بداخله، هنالك أعداء داخليين ويجب ان يحمي نفسه امامهم، فقط بترتيب الساحة الداخلية عبر السلطات المحلية ولجنة المتابعة والأحزاب، مشروع كامل موحد يشمل احتجاجات وخطط منظمة، نوع من الاستنفار وإظهار القوة الداخلية، في هذه اللحظة الدولة تُجبر بأن تكون جزء من هذه الحالة، وأن تتحرك".


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]