ارتفاع وتيرة حالات الإصابة بمتلازمة السلائل الوراثيّة في أوساط العرب والدروز في شمال البلاد مع تزايد اللحميّات في الأمعاء الغليظة – هذا ما يتّضح من دراسة جديدة تُجريها باحثات في مجمّع رمبام الطبّيّ، وتُنشَر نتائجها الآن في المجلّة العالميّة – Digestive and Liver Disease.

يتّضح من الدراسة أنّ حدوث الطفرات في الجين MUTYH المرتبط بمتلازمة السلائل الوراثيّة – MUTYH Associated Polyposis (أو باسمها المختصر – متلازمة MAP) يتسبّب في نحو 27% من حالات مرضى السلائل (داء البوليبات) في أوساط السكّان العرب والدروز في شمال إسرائيل. وأوضحت الباحثات أنّ "هذا الاكتشاف ذو أهمّيّة كبيرة بالنسبة إلى السكّان المعنيّين"، وأنّ هذه "المعلومات ستمكّن من تحديد العائلات المعرَّضة لخطر متزايد للإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة، وبالتالي إعداد خطط متابعة ووقاية ملاءمة لها".

 ثاني أكثر أنواع السرطانات شيوعًا

يعتبر سرطان الأمعاء الغليظة - سرطان القولون والمستقيم - ثاني أكثر أنواع السرطانات شيوعًا، حيث يتمّ تشخيص نحو 3000 مريض جديد في إسرائيل سنويًّا، وفقًا لمعطيات جمعيّة مكافحة السرطان. وبحسب المعطيات، فإنّ سرطان الأمعاء الغليظة هو ثاني أكبر مسبّب للوفاة شيوعًا بين جميع حالات الوفاة من أمراض السرطان في أوساط اليهود والعرب، بغضّ النظر عن الجنس.

"يبدأ سرطان الأمعاء الغليظة باللحميّات (أورام حميدة – ما قبل سرطانيّة) التي تتطوّر في الأمعاء الغليظة"، هذا ما توضّحه د. إليزابيث هيلف، مديرة وحدة الكشف عن الأورام الخبيثة في الجهاز الهضميّ والوقاية منها، والمركز المتعدّد التخصّصات للكشف المبكّر عن السرطان والوقاية منه في مجمّع رمبام الطبّيّ، والتي قادت هذه الدراسة. وتضيف د. هيلف أنّ "متابعة الجهاز الهضميّ وإجراء فحوص تنظير القولون تجعل من الممكن الكشف عن اللحميّات في المرحلة ما قبل السرطانيّة وإزالتها إن أمكن، أو إحالة المعالج لإجراء عمليّة جراحيّة، وبالتالي منع تطوّر السرطان. تُترجم هذه الإجراءات إلى إنقاذ أرواح البشر بنسب عالية".

10% إلى 20% من حالات سرطان الأمعاء الغليظة تعود إلى خلفيّة جينيّة وراثيّة

توضّح غيلي رزنيك ليفي، المستشارة الوراثيّة الكبيرة، والمسؤولة عن مجال علم الجينات في المعهد الجينيّ في رمبام، والتي قادت هذه الدراسة سويّةً مع د. هيلف، أنّ نحو 10% إلى 20% من حالات سرطان الأمعاء الغليظة تعود إلى خلفيّة جينيّة وراثيّة، وأنّ الحالات المرتبطة بتزايد اللحميّات في الأمعاء الغليظة تثير الشكّ في حدوث طفرة في أحد الجينات المرتبطة بمتلازمات السلائل الوراثيّة.

"إحدى هذه المتلازمات هي متلازمة MAP"، تقول رزنيك ليفي. وتضيف: "المميَّز في هذه المتلازمة، مقارنةً بمتلازمات سرطانيّة وراثيّة أخرى، هو طريقة الوراثة. تنتقل هذه المتلازمة بطريقة الوراثة الجسديّة المتنحّية، وهذا يعني أنّ هناك حاجة إلى حدوث طفرات في كلتا نُسختي الجين (واحدة من الأمّ وواحدة من الأب) حتّى تظهر المتلازمة. يزداد خطر الحالات الوراثيّة بطريقة الوراثة هذه، بشكل كبير، عندما تكون هناك صلة قرابة عائليّة بين الوالدين".

المرضى أصغر بعشر سنوات من متوسّط العمر الوارد في الأدبيّات الطبّيّة

ووفقًا لأقوال د. كارين فايس، مديرة المعهد الجينيّ في رمبام، فإنّ هذه المتلازمة مسؤولة عن ما يصل حتّى 6% من حالات سرطان الأمعاء الغليظة في سنّ مبكّرة، إذ يعرف المجتمع العلميّ والطبّيّ، منذ سنوات كثيرة، طفرات شائعة في هذا الجين لدى السكّان الأوروبيّين وكذلك لدى السكّان اليهود الذين منشأهم من شمال إفريقيا، في إسرائيل. مع ذلك، لم تُجرَ أيّة دراسة حتّى الآن عن هذه المتلازمة لدى السكّان العرب في إسرائيل. "كان تقييمنا أنّه في ضوء المعدّل المرتفع نسبيًّا لزواج الأقارب، فسوف نجد انتشارًا كبيرًا لهذه المتلازمة لدى السكّان الذين يتلقّون العلاج في رمبام - أي لدى السكّان العرب والدروز في الجليل،" تشدّد د. فايس، التي هي أيضًا عضو ضمن طاقم معهد البحوث الطبّيّة في رمبام.

وبالفعل، هذا ما اتّضح من نتائج الدراسة: من بين 37 معالجًا ومعالجةً لديهم داء السلائل، مع سرطان الأمعاء الغليظة أو بدونه، من 30 عائلة مختلفة، كان لدى 8 عائلات (27%) طفرات ثنائيّة الأليلات (طفرات في كلتا الصيغتين) للجينMUTYH . "لقد تعاونّا أيضًا مع أربعة مراكز طبيّة أخرى تعالج مرضى السلائل – مركز رابين الطبّيّ، مستشفيات هداسا، سوروكا وشيبا – وقمنا معًا بجمع المعلومات الجينيّة عن مرضى متلازمة MAP من المجتمع العربيّ في إسرائيل"، قالت رزنيك ليفي، ثمّ أضافت شارحةً ميزة النتائج: "وجدنا أنّ الطفرات الموجودة في هذه العائلات تختلف عن الطفرات المعروفة لدى عامّة السكّان ولدى السكّان اليهود في إسرائيل. إضافةً إلى ذلك، رأينا أنّ عمر الإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة في هذه العائلات كان صغيرًا حقًّا. متوسّط العمر كان 38 عامًا، وهو أقلّ بعشر سنوات مقارنةً بما ورد في الأدبيّات الطبّيّة لدى العائلات التي لديها متلازمة MAP".

ثمّة معطى آخر مهمّ تمّ اكتشافه في إطار الدراسة وهو أنّ هناك طفرة معيّنة واحدة مسؤولة عن معظم الحالات في هذه العائلات. تقول د. فايس: "هذا المعطى يجعل من الممكن إجراء تشخيص جينيّ سهل، دقيق، سريع ورخيص لتحديد الأفراد الذين لديهم متلازمة MAP ضمن هذه الفئة من السكّان"، وتضيف: "إنّ تشخيص الفرد الأول في العائلة يمكّننا من تقدير خطر الإصابة بالمتلازمة ومدى ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان لدى الأقارب الآخرين، أيضًا".

خطرًا عاليًا جدًّا يصل إلى %80 في أن يتطوّر لديهم سرطان الأمعاء الغليظة خلال حياتهم

مع ذلك، في حين أنّ نتائج الدراسة تلقي الضوء على مراحل تطوّر المرض لدى بعض الفئات المعرّضة للخطر، فإنّ الأهميّة الأساسيّة تكمن في المتابعة والكشف المبكّر. وتحذّر د. هيلف من أنّ "المرضى الذين لديهم متلازمة MAP والذين لا يقومون بإجراء متابعة تنظير القولون المطلوب، فإنّ هناك خطرًا عاليًا جدًّا يصل إلى %80 في أن يتطوّر لديهم سرطان الأمعاء الغليظة خلال حياتهم"، و"يمكن تجنّب هذا الخطر في حال إجراء فحوصات تنظير القولون المنتظمة في سنّ مبكّرة، بدءًا من سنّ 20-25 عامًا".

وفقًا لتقدير الباحثات، يوجد في بعض القرى في منطقة الجليل، على ما يبدو، انتشار كبير لمتلازمة MAP. ويذكرن أنّ "الخطوة التالية من الدراسة ستفحص مدى شيوع الطفرات في هذه القرى لدى الأفراد الأصحّاء أيضًا". ويضفن: "في حال وجدنا أنّ درجة الشيوع عالية، فقد يكون من المناسب أن نقترح إجراء فحوصات جينيّة لكلّ السكّان البالغين في القرى المعرَّضة للخطر. من المهمّ بالنسبة لنا أن يكون هناك وعي بخصوص هذه المتلازمة لدى السكّان العرب والدروز في الجليل المعرّضين للخطر، وكذلك في أوساط عامّة الجمهور والجهات التي تقدّم العلاج، كأطبّاء الجهاز الهضميّ وأطبّاء الأسرة، المكلّفة برصد العلامات التحذيريّة، وإحالة المعالَجين المعنيّين لتلقّي استشارة جينيّة لغرض الكشف المبكّر عن السرطان، وحتّى تفادي الإصابة به".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]