تحدّث رئيس "حزب الكرامة" ‏في مصر والأمين العام للمؤتمر القومي العربي حمدين صباحي، في مقابلة خاصة أجراها معه رئيس تحرير الميادين نت، محمد فرج، على هامش المؤتمر القومي العربي، والذي عقد في بيروت.

تناولت المقابلة عدة محاور، ومنها آفاق العمل القومي العربي، وآفاق القومية العربية كأيديولوجيا سياسية، كما تحدّث عن دول مركزية في المنطقة، ومنها إيران وسوريا.

عدد من باحثي السياسة يقول إنّ العولمة ممارسةً وفكراً أزاحت جانباً أشكال الفكر القومي في العالم، وإنّ اليوم الإطار الحديث هو لصالح البرامج الجزئية الرشيقة الخفيفة على حساب الأيديولوجيات. لماذا ما زال حمدين صباحي متمسّكاً في إطار وأيديولوجيا الفكر القومي العربي؟
أولاً ؛ ربّما من الأساطير السائدة ما نسبته أنت الآن لعدد من الباحثين، ليس صحيحاً أن العولمة أزالت قضايا الهوية، وفي أولها الانتماء القومي، هذه أسطورة لها حظّ من الرواج وليس لها أساس في الواقع. أبدأ بك وبي، أنت عربي ومهما كانت درجة التشابك والتداخل التي يشهدها العالم لأسباب عديدة جداً ،أولها وسائل الاتّصال انتهاءً بآليات السوق، كله صحيح وهناك ظواهر للعولمة، لكن ظواهر العولمة لا تعني انتفاء أو انتهاء وجود ملامح محددة تصنع هوية وطنية قومية في كل العالم، بالمناسبة من دون استثناء، وأمام هذه العولمة السائدة دلّني على من يمكن أن تسميهم مواطنين بلا هوية في أي بقعة، لا تزال على الأرض جغرافيا، لا تزال هناك حدود، لا تزال هناك دول، ليس كل هذه الدول، لكن الكثير منها، مؤسَّس على فكرة الدولة القومية أو الدولة الوطنية التي تعبّر عن شعب له من الخصائص ما يميّزه في نفسه وما يميّزه عن سواه من الشعوب، وهذا لا يعني الانقطاع، العالم لم يكن منقطعاً حتى قبل هذه العولمة، لكن درجة التداخل بينه كانت أقل ربّما.

ADVERTISING


فما أريد أن أردّ به أنّ المقولة نفسها الواردة في السؤال أنا مختلف عليها، هناك عولمة لم تُجهز على القومية.

ومن ثمّ أنتقل للجزء الثاني من سؤالك، إنّني مؤمن بعروبتي، بهويتي، بما يجمعني أنا وأبناء هذه الأمة من موحّدات؛ أهمها ثقافتنا الواحدة واللسان الواحد وما يترتّب عليه، الأمّة هذه من 14 قرناً بفضل نزول الرسالة الخاتمة على سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام عرفَت لغة موحّدة وثقافة رئيسية واحدة، وهذه الثقافة طبعت ما أنتجته من فكر وما أنتجته ماديّاً، يعني جملة الحضارة العربية الإسلامية التي صنعها عبر 14 قرناً المسلمون والمسيحيون على أرض هذا الوطن العربي.

نحن في أجيالنا هذه أتينا على أرض هذا المنتَج الحضاري المتراكم عبر 14 قرناً الذي جعلني أنا وأنت نقول نحن عرب، أنت من الأردن، أنا من مصر، الموجود في لبنان أو في العراق، نحن عرب. وهذا أمر أذاب بعض الخصوصيات التي لا بدّ أن تُقدَّر لكن لا تعلو عن الرابطة القومية؛ أنّ هؤلاء العرب يمكن أن يكون فيهم تعدد إثني، يمكن أن يكون فيهم تعدد ديني، يمكن أن يكون فيهم تعدد طائفي، وهذه الهويات الفرعية جميعها يمكن أن تكون محل احترام ما لم تنفِ الهوية الرئيسية وهي الهوية القومية أو تكون جائرة عليها، التي هي بالنسبة لنا عرب، وهذا الأمر موجود عند الألمان والإنكليز وعدّة أمم على الأرض، فالعولمة لم تمحق هؤلاء.

أنا مؤمن بأنّ هذه الأمّة كغيرها من الأمم لديها هذه الموحّدات في ما بينها والمميّزات عن الأمم الأخرى، وأظهَرها اللغة، أنا أحتاج إلى مترجم لأفهم أحداً من قومية أخرى، لسان آخر، لكن نحن أيضاً عندنا هموم واحدة، مصالح واحدة، تحديات واحدة تجعل أمامنا تحدّياً آخر، ليس تحدّي الهوية أن نكون عرباً، لكن تحدّي الوحدة لننهض كعرب في مواجهة التحديات التي تُقابلنا من الخارج والداخل ونحقّق الأهداف، نريد أن نعيش عيشة كريمة ككل الأمم، متكافئين، أنداداً، مستقلين، هذه المقاصد لأمّتنا العربية والسعي لتحقيقها بما يحقّق مصالحها ويجعلها شريكاً في صنع الحضارة الإنسانية، متكافئاً ليس تابعاً ولا ملحقاً ولا مهيمناً عليك كما عاصرنا كثيراً، هي التي تجعل الأهمية لوجود فكرة جامعة لهذه الأمة، مشروعاً.

والحقيقة تعبير "أيديولوجيا" أيضاً من التعابير التي ظُلمَت في إطار ما أسميه أكاذيب رائجة، أنه انتهى عصر الأيديولوجيا..

الأيديويلوجيا قائمة؛لكن طريقة التعامل بها كنسق فكري مغلق جامد هي التي انتهت، وجوهر الأيديولوجيا أنها تصوّر عن العالم وعن الدور وعن المقاصد وعن أساليب بلوغ المقاصد، هذا إذا شئنا أن نأخذ بأحد تعريفاتها، لكن هي لا ينبغي أن تكون سجناً فكرياً يحول دون درجة من الحوار والانفتاح والتجديد. ونمط الأيديولوجيات المغلقة يعاني.. أنا قومي عربي، أنا وجدت نفسي باختياري وفي البيئة التي نشأت بها أقول أنا ناصري، أنا قومي، أنا ضدّ "إسرائيل"، أنا مع العدالة الاجتماعية، أنا مع الوحدة العربية، تشرّبت هذا من دون وعي أحياناً، من الثقافة السائدة والإعلام والمجتمع ومصالح الطبقة، لأنني ابن فلاحين بسطاء، وأكملت هذا بما قرأت أو تعلّمت في جدل الحركة الطلابية في سبعينيات القرن الماضي في جامعة القاهرة وككلّ جامعات مصر، والجدل ما بين الناصريين والماركسيين والإسلاميين، كانوا ثلاث فرق مميّزة ومعبَّر عنها داخل الجامعة، فأنا بلورت فكرتي، لكنني لست أسير هذه الفكرة بمعنى أنها تسجنني. الأيديولوجيا عندما تكون حائلاً يسجن معتنقها من دون التفاعل مع غيره للحقيقة تكون عبئاً أكثر مما تكون دافعاً.

وربّما يكون مفيداً أن أستذكر تعبيراً جميلاً تعلّمته من المفكّر القومي العربي نديم البيطار، وهو من الذين أجادوا التعبير عن هذه الفكرة، المثال الثوري، وهذه الأيديولوجيا مثال، يعني نكوّن نسقاً نتخيّل أنه العالم، والأيديولوجيا ليست بالضرورة أن تكون مطابقة للواقع بالمعايير الإمبريقية أو العملية، لكنّها فكرتك وأنت آمنت بها، رأيت العالم على هذا النحو، لذلك هي فكرة، وأيضاً يمكن أن تكون إرادة.

هذا المثال الثوري هو نوع من أنواع حلم المدينة الفاضلة الذي عرّفه البشر منذ زمن على أشكال متعددة، حتى إنّ هناك كتابات ذات طابع روائي وإبداعي قبل أن تتبلور في رؤى ذات طابع سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي شامل كما يطرح السياسيون، أنت عندك حلم جميل، هذا المثال الذي تتبعه هو في الحقيقة لا يتحقّق، هذه البشرية سعت دائماً نحو مثال وطوال عمرها لم تحقّقه، لماذا؟ لأن دور المثال الثوري كما علّمنا نديم البيطار ليس أن يتحقّق لكن أن يشدّك إليه، ففي طريق التحقّق يحدث التطوّر، البشرية هكذا تطوّرت، ليس لأنها حقّقت مثالها الثوري أو أهداف نظريتها الثورية، لكن لأنّ سعيها لتحقيقه قادها الى مزيد من إشباع حاجاتها الإنسانية الفكرية والروحية والمادّية، فتراكم التقدّم في تاريخنا.

أنا قومي عربي وما زلت مؤمناً بهذا، وأظنّ أن هناك أفقاً واسعاً لهذه الأمّة بهذه الأفكار وسواها لتقطع المسافة نحو المثال الذي نريده، أمّة محرّرة كريمة، عزيزة، هذا ما نحلم به وما نسعى إليه.

أستاذ حمدين، أنت جئت بالحديث على تحدّي الوحدة، تحقيق هذا الإنجاز وبالمسار نفسه الذي تفضّلت به هو بحاجة إلى أدوات، واحدة من هذه الأدوات على سبيل المثال قد يكون المنبر مثل المؤتمر القومي العربي.. المؤتمر القومي العربي يمكن تصنيفه بشكل أو بآخر كخزّان وتجمّع لمثقّفين، لمفكّرين، مناضلين، سياسيين محترفين وما إلى ذلك، هل توجد هناك أذرع تنفيذية لأداء مهمات مستندة لخطة سنوية أو شهرية أو ما إلى ذلك في المؤتمر القومي العربي؟
أولاً في قضية التغيير نفسها، في الاقتراب ممن يمتلكون مشروعاً سواء يستند لأيديولوجية محددة أو كذا، الذي يغيّر الناس، أنا من المؤمنين، وهذا أيضاً كلام أيديولوجي، أنّ التغيير بالجماهير، الشعب هو القائد والمعلّم، الشعب هو القادر على التغيير. الشعب يحتاج أدوات قادرة على أن تنظّم صفوفه، تحشد طاقاته تحدّد معاركه، تُديرها بكفاءة، وعادةً هذه تكون الأحزاب السياسية أو الجماعات المنظمة. وفي أوضاعنا العربية هذه، أنا غير مؤمن بأن هناك حزباً لوحده قادراً على أن يُنجز، نحن نحتاج جبهة وطنية عريضة، هذا في مسار التغيير السياسي. لكن لا الحزب ولا الجبهة، وهي لا تقل أهمية عن الحزب بل هي ضرورة للتغيير في أي قطر عربي في الأوضاع الراهنة التي نراها الآن.

أيضاً نحتاج لشبكة من المنظمات الفاعلة التي لا تتحدث ولا تفعل في السياسة بمعناها الضيّق، لكن في التغيير بمعناه الواسع، جمعيات ذات طابع ثقافي، اجتماعي، تلبي احتياجات متعددة للناس، نقابات معبّرة عن مصالح مهنية لأصحاب مهن بعينها. هذه الشبكة من الجمعيات والنقابات وجمعيات المجتمع المدني والجبهة والحزب، أنا أسمّي هذا مثلث التنظيم، لا تغيير من دون تنظيم.

المؤتمر القومي ، لا هو حزب ولا هو بالضبط جبهة، لأنه ليس مبنياً على أساس اتّفاق سياسي محدّد، هو للحقيقة مشروع فكري سياسي، مهمته أن يُضيء عبر نخبة من المثقفين والممارسين العرب، رؤية لأوضاع الأمة ويقترح حلولاً، وأن يستحثّ القوى المنظمة، أحزاباً ومنظمات، وطبعاً تكوين المؤتمر القومي العربي لأن كثيراً من هذه المنظمات الحركية الفاعلة عبر قيادات فيها أو كوادر أو مثقفين منتمين إليها موجودون داخل المؤتمر.

نحن أشبه بتجمّع واسع يحاول أن يصوغ رؤية موحّدة وبرامج عمل موحّدة يقترحها على قطاع أوسع فاعل للتغيير، نحن طاقة إشعاع، نوع من الضمير أكثر من قوة التغيير، نُنير لأنه ربّما ما نُنيره يفتح طريقاً أمام مَن هم أكثر فاعلية منّا، ثمّ إن كثيراً منهم مؤهّل لهذا الدور لأنهم شركاء، عليهم أن يأتوا الى المؤتمر القومي في تنظيمات وجماعات فاعلة وعندها مهام حركية على الأرض.

في الدورات الأخيرة من المؤتمر القومي العربي ظهرت مشاركة شخصيات وتيارات، إن جاز التعبير، ذات توجّه إسلامي، ماذا يمكن أن نصف الفرق بين هذه المرحلة ومرحلة الستينيات على سبيل المثال، هل يمكن أن نقول إنّ الفجوة العميقة التي كانت بين التوجّه الإسلامي والتوجّه اليساري والتوجّه القومي التي كانت تأخذ موقعها في الستينيات، هل رُدمَت الآن؟ أم أننا نتحدث عن تيار إسلامي غير التيار الإسلامي في السابق؟
لا أنا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى كثير من التدقيق. أولاً الفكرة القومية العربية كما أفهم وكما هي رؤيتي للناصرية من بين التعبيرات القومية، هي فكرة بالغة الإيمان بالإسلام كدين؛ لكن أيضاً الأهم على المستوى السياسي أنها مؤمنة بأننا أبناء حضارة وثقافة عربية إسلامية يتشارك معي هذا الرأي أمين إسكندر، صديق عمري رحمه الله، هو مسيحي وأنا مسلم، ونرى الناصرية بهذه الرؤية، إنها بنت ثقافة صنعتها الحضارة العربية الإسلامية؛ فلا فصل لدينا ما بين قيم الإسلام كدين أو قيم المسيحية الدينية وما بين مشروعنا الفكري أو السياسي؛ لأن هذه حضارة واحدة.

أنا دائماً في خطابي أقول إنّ أكثر قيمتين كبريين ينبغي أن نتحلى بهما ونتّجه لتأكيدهما على الأرض هما العدل والمحبة، هذا الوطن أحوج ما يحتاج إليه هو أن يُشيع العدل والمحبة، العدل هو القيمة الأساسية في الإسلام، والمحبة هي القيمة الأساسية في المسيحية، لكنهما أصبحا جزءاً من قيمي أنا كقومي عربي أو ناصري، هذا خطابي وسعيي وحركتي، وحين أضع برنامجي السياسي أكون واعياً لهذا، وأدعو إليه.

هنا أوّل إضاءة على سؤالك أنه في وعيي أنا الشخصي وجيلي لم يكن هناك أي صدام إلّا افتعالاً ما بين القومية والإسلام، هذا كان صداماً مفتعلاً صنعته أسباب سياسية وصراعات سياسية في أيام سابقة على أيامي، لأنني أنا ابن السبعينيات، أنا ناصري بعد أن مات جمال عبد الناصر، ربّما لو كنت أيام عبد الناصر لكنت معارضاً له في الأغلب، رغم اقتناعي تماماً بمشروعه، لكن كنت لأخالف أداء دولته على الأرجح بحسب فهمي. فهذا التناقض غير موجود عند الفكرين، لكن كانت دائماً هناك فجوة حركية واسعة بين المنظّمات أو الأحزاب أو التيار القومي وتجلياته التنظيمية المتعددة، وما بين الإسلام السياسي الحركي.

حصلت محاولات عديدة لتجسير هذه الفجوة أو ردمها، وكان أهمها المؤتمر القومي الإسلامي، وهذا أيضاً من مقترحات ومبادرات المؤتمر القومي العربي. نحن نبحث عن مساحة مشتركة بين القوميين والإسلاميين، ليس بمعنى أن من حق الإسلامي أن يعتبر أن الدين عنده، أو أنا أعتبر أن هذه القومية تابعة لي، لا ملكيات مؤممة لهذه التيارات، لأن الشارع الذي نخاطبه وننتمي إليه المسألة عنده سهلة جداً، هو رجل مسلم أو مسيحي ومؤمن بعروبته يدافع عن فلسطين بطريقة طبيعية، قبل أن "يركب دماغه" شخص منظّم يقول له إن القومية أو كذا، لا، هذه الأرضية الطبيعية، هذه البنية السائدة الحاضرة في وجدان وعقلية العربي على العموم. المتحزّبون مع حقّهم ودعوتنا لهم أن ينشئوا أحزاباً وتنظيمات، غالوا في احتكار الفكرة، لا الإسلام تابع للإخوان المسلمين ولا العروبة تابعة للناصريين أو القوميين، هذا احتكار مرفوض أصلاً. لكن لكي نجسّر فجوة موروثة عمّا قبل، كانت هناك محاولات كثيرة فكرية بعضها فردي وبعضها جماعي.

ربّما من أهم تجليات المؤتمر القومي الإسلامي الذين نحن شركاء كمؤتمر قومي في تأسيسه أو دعاة لتأسيسه بمعنى أدقّ، وللحقيقة هو قطع شوطاً عظيماً ينبغي الإشادة به، ثمّ جاءت أزمة القطيعة لأسباب سياسية بعد الـ 30 من يونيو في مصر وبعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، نحن في خصومة سياسية مع الإخوان، خصمان لدودان لكن نحاول احترام شرف الخصومة ونحاول ألّا نعمّم هذه الخصومة على إسلاميين آخرين في الأمّة، لكن لا نستطيع أن ننكر أن هذه الخصومة عكست أثرها على هذا التفاعل الذي كان في مرحلة إيجابياً، ثمّ دخل في تحدٍّ حول طريقة تفسير ما تمّ. وكلّ منا ألقى باللائمة على الآخَر واتّهمه، أنا لا أحكم الآن مَن البريء ومَن المُدان، لكن عدنا إلى هذه الفجوة مرة أخرى.

لكن من حسن الحظ أن التعبيرات الإسلامية في الوطن العربي ليست قاصرة على هذه الجماعة، يعني توجد تعبيرات إسلامية أخرى، لسنا في حالة لا خصومة ولا قطيعة ولا تنافس حتى معها.

وأنا شخصياً استثني من الاتّفاق والخلاف السياسي، دائماً أقول إن المقاومة تجبّ ما سواها، أنا والإخوان خصمان لدودان، أنا أتكلم عن نفسي وأنا لست بتمثيل لكل المنتمين بالضرورة للتيار القومي، لكن المقاومين في حماس وهم من المفروض جزء من هذه الجماعة أنا أؤيّدهم تأييداً معلناً قاطعاً لأنني أعتقد أن كل مقاوم في حزب الله، في حماس، في الجهاد، في الجبهة الشعبية، مقاوم فرد، كل مَن يقاتل ضد العدو الصهيوني هو أوفى منّي تعبيراً عن فكرتي، فله عليّ حق النصرة والتأييد من دون شروط. هنا أنا أُخرج عامل الاختلاف السياسي، إذا أتت المقاومة تجبّ ما سواها من خلاف، وتضع من الواجب على كل عربي أن يؤيّد المقاوم من دون أن يحدّد أو يتوقّف عند هويته الحزبية أو السياسية أو غيره.

قبل أكثر من شهر تقريباً التقيتم بسماحة السيد حسن نصر الله، ما رأيكم في هذا اللقاء؟ ما هي التفاصيل الأهم برأيكم التي نتجت عن هذا اللقاء؟ وكيف تنظرون إلى شخص السيد حسن بشكل عام، بخلفيتكم الفكرية القومية العربية المؤيّدة للمقاومة؟
أنا من الذين يحترمون ويقدّرون ويجلّون الذين يقاومون ويدفعون الثمن، سماحة السيد نصر الله هو بنفسه، بذاته، وبرمزيته وبموقعه على رأس حزب الله بكل تاريخه وما قدّمه، هو قيمة كبرى بالنسبة لي على المستوى الشخصي والعام، وأنا أقول منذ زمن طويل إنّ الراية العظيمة التي رفعها القائد العظيم جمال عبد الناصر يرفعها الآن السيد حسن نصر الله. وأؤسس على هذا إنّ كل مَن يعي موقعه، أنه ابن هذه الأمة العربية، وأن عدوه الرئيسي هذا الكيان الصهيوني، فعليه أن يُجلّ ويؤيّد ويدعم كل مقاوم، وأنا لا أعتبر نفسي داعماً، أنا أعتبر نفسي شريكاً في المقاومة لأن هذا موقعي الطبيعي الذي اخترته، أقاوم ربّما ثقافياً، هناك مَن يقاوم بالسلاح، لكن المقاومة أوسع من فكرة القتال المسلّح، المقاومة فكرة واسعة شاملة عميقة تعبّر عن رؤية وموقف وعن أداء بالتأكيد بعضه أو رأس سهمه أداء عسكري لكنّه ممتد، والأداء الثقافي فيه لاعب مهم.

السيّد نصر الله بالنسبة لي على المستوى الشخصي والعام هو قيمة عظيمة أحترمها أحبها، وأسعد بلقائها، وهذا لم يكن اللقاء الأول وآمل ألّا يكون اللقاء الأخير، وكالعادة تناول همنا كأمة عربية تناضل من أجل حقها في فلسطين وبالذات رؤية المقاومة ومستقبلها، وكيف يكون المقاومون في العمل الشعبي الواسع أكثر التئاماً مع المقاومين بالسلاح في الصف الأمامي من المواجهة.

هل ثمّة دلالة للقائكم بالقيادة السورية مع الرئيس بشار الأسد بعد نهاية فعاليات هذا المؤتمر؟
نعم، سورياً طبعاً هي سوريا الحبيبة، ودمشق قلب العروبة النابض وفي كل قلب عربي نابض، تعبير جميل. نحن كمؤتمر قومي عربي كان دورنا دائماً أن ندعم قضايا أمتنا العربية في مواجهة كل عدوان عليها، سوريا محلّ العدوان والحصار والاحتلال، والأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي تنعقد في دمشق، قلب العروبة، لتعبّر عن وقوفها مع سوريا ضد العدوان والاحتلال والحصار. سوريا أدّت دوراً تاريخياً عظيماً في تاريخنا ولم تبخل على أي قضية قومية، وهي الآن من حقها أن ترى كل عربي يقف معها، مع استقلال سوريا، عروبة سوريا، وحدة سوريا أرضاً وشعباً ودولة. ونحن نرى أن سوريا تحتاج الآن بعد القرار إلى تصحيح خطأ جامعة الدول العربية الفادح، وإن كان تصحيحاً متأخراً بعودة سوريا لجامعة الدول العربية، لكن هذا القرار لا ينبغي أن يبقى حبراً على ورق، سوريا تحتاج دعماً حقيقياً مشهوداً، بالذات لأنّ شعبنا في سوريا يعاني عناء اقتصادياً نتيجة عشرية دم كلّفته كثيراً، أثخنته بالجراح، جعلت أوضاعه الاقتصادية صعبة، نحن نحتاج تدفّقاً للتبادل التجاري والاقتصادي مع سوريا، نحتاج ورشة إعمار كبرى تنهض من أجل سوريا، نحتاج أن نخاطب كل عربي ليكون شريكاً في هذا الإعمار، أعتقد ربّما يجب أن ندعو إلى صندوق عربي لإعمار سوريا شعبي ورسمي، نظنّ أنّ الذين أنفقوا كثيراً على تخريب سوريا عليهم من دواعي التكفير عن الذنب أن يدفعوا في إعمارها بالقدر الذي دفعوه في تخريبها، نريد أن نستحثّ على إعمار سوريا.

ثمّ لا يكتمل هذا الحديث عن سوريا وما نتمناه لها وما نسعى إليه فيها، إلا أن سوريا بقدر احتياجها لإعمار الحجر فهي محتاجة لعمران البشر، محتاجة لتصالح، محتاجة لإعادة لحمتها، محتاجة لحوار سوري سوري جاد يكون كل شركاء الوطن أطرافاً فيه، بما فيهم المعارضة السلمية التي لم تحمل سلاحاً ولم تُرق دماً، ولم تغادر سوريا بل بقيت فيها، نحن نطلب لهم ما نطلبه لكل صاحب رأي في كل قطر عربي، حريات، حق التعبير عن الرأي، الأمان في التعبير عن الرأي، وأن تُطلَب الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون لكل شعبنا في سوريا، لأنه هو الذي دفع الثمن الأوفى، كما نطلبها لشعبنا العربي في كل قطر عربي.

كل هذه المعاني ستكون معاني من الوارد أن نبحثها في لقائنا مع السيد الرئيس بشار الأسد، ومع كل أعضاء المؤتمر القومي العربي بغضّ النظر عن رأيهم السياسي معارضين أو موافقين، سنلتقي بهم إن شاء الله أيضاً في سوريا، وسنعبّر عن هذا في اجتماع أمانتنا العامة، لكن المعنى الأوفى الأشمل أن نبحث عن أداء أوفى من الوفاء لسوريا، سوريا التي أعطت لأمّتها ولعروبتها إعطاء تاريخياً عظيماً، وصمدت هذا الصمود الذي كسر مشروعاً أميركياً صهيونياً أيّدته جماعات إرهاب استُقدمَت وأُنفق عليها بسخاء من قبل حتى بعض الأنظمة، نحن لا نريد فتح الجراح الآن نريد أن نبحث عن الإعمار. سوريا التي صمدت وانتصرت في وجه هؤلاء من الوفاء لها ولدورها أن نكون موجودين هناك، سنذهب لنؤدي هذا الواجب بإذن الله بعد يومين من الآن.

أستاذ حمدين السؤال الأخير وأنا آسف على إرهاقك ولكن نحن مستمتعون بهذا الحديث، ونريد أن نكسب كل فرصة للحديث معك. الجانب المتعلق بالضلع الاقتصادي، الدول العربية تعاني من عدة أزمات مركّبة، الأزمة الاقتصادية واحدة منها، هي تعاني حروباً، تعاني إشكاليات اقتصادية مركّبة، تعاني حصاراً وعقوبات في مكان ما، تعاني استهدافاً في مكان ثانٍ، تعاني نقصاً في التنمية في مكان ثالث، كنتَ تقول دائماً في الجانب الاقتصادي إنّ الحل السياسي يجب أن يسبق الحل الفنّي. بالعودة إلى بداية هذه المقابلة عندما تحدّثنا عن الأيديولوجيات، هل لدى الأستاذ حمدين صباحي كلمة سر عامّة، إطار عام، توجّه عام للحل للأزمة الاقتصادية في المنطقة العربية؟ إذا كنا في السابق نتحدث عن صراع أيديولوجيات ما بين اشتراكية ورأسمالية وسوق اجتماعي ورأسمالية دولة وما إلى ذلك، ما هي كلمة السر العامة التي يمكن أن يقدّمها حمدين صباحي ؟
قد يكون من الصعب الإجابة مباشرةً بتعبير واحد، لكن إذا اجتهدنا أن تكون موارد العرب لصالح العرب، لو اعتبرت أن هذا مفتاحاً وحيداً فهو يكفينا. تعرف أنّنا كعرب دخْلنا هو الخامس في العالم بعد الصين وأميركا وألمانيا، لا أذكر الطرف الرابع، لكن نحن خامس أعلى دخل في العالم.

لو كنت تريد كلمة سر، فلتُنفَق أموال العرب على مصالح العرب، ولا أريد الدخول معك الآن في أي جدل نمط الاقتصاد هذا أسميه اشتراكياً أو رأسمالياً أو كذا، أنا من المؤمنين بما أسميه تعدد الملكية التعاونية والخاصة والدولة، لأن هناك مشاريع كل من هذه الأشكال الثلاثة أولى بها وأقدر عليها. وأنا لا أريد نظام احتكار، نحن نريد سوقاً يقوم على قواعد المنافسة والشفافية والكفاءة، ولنقل أن هذا يمكن أن يكون نظام سوق اجتماعي في أقرب التعبيرات السائدة الآن، لكن المفتاح أنه لو أنّ الثروات التي تُنتجها هذه الأمة من أرضها وُظّفَت بكفاءة ورشد لصالحها سنكون قادرين على حل كل مشاكلنا الاقتصادية وسننجو من التبعية للغرب، لأننا كما نقول في مصر ممسوكون من أمعائنا، إذا كنا لا نستطيع أن نخبز رغيفنا من قمحنا سنبقى ممسوكين من أمعائنا.

هذه الأمة في حاجة للتحرّر الاقتصادي، وإمكانيات حريتها الاقتصادية في يديها وتهدرها، هذا الذي نحتاجه، هناك تحديات كثيرة على المستوى الاقتصادي تحتاج حلولاً فنية، أنا لا أجبر أحداً على تقديمها، لكن في الرؤية السياسية نريد حق الأمة في مواردها، حُسن إدارتها، عدالة توزيع ناتجها لتُعطي للفقراء حقهم، ولا يكنز الأغنياء ويجوع الفقراء. هذا يمكن الوصول إليه.

توجد تحديات كثيرة وأنا أظن أنّ ما يستهلكه الفساد وسوء الإدارة وتدنّي الكفاءة في الوطن العربي فقط، يعني إذا كنّا بالعوامل الثلاثة هذه استطعنا سد الثغرات الواسعة التي تُستنزف مواردنا بها، حياة الإنسان العربي ستكون أجمل وأكرم وأجدر، ثمّ إننا نواجه عدواً بشعاً، نحن سننتصر على "إسرائيل" فقط بفكرة القتال؟ نحن نحتاج أيضاً أن ندرك أن انتصارنا على هذا الوجود الصهيوني له علاقة بما يُسمى بصراعنا على المستوى الحضاري، يعني أنا دائماً أقول كل خطوة في سبيل تنمية اقتصادية عربية تُقرّبنا من تحرير فلسطين، كل خطوة للعدالة الاجتماعية تقرّبنا من تحرير فلسطين، كل خطوة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان تقرّبنا من تحرير فلسطين. هذا الهدف الأغلى، لكن نحن لن نصل إليه فجأة إلا بأن ننهض بإمكانيات هذه الأمّة المُهدرة، ثمّ عندما نرى هذا التحدّي يستفزّنا، الذين في حكومة "إسرائيل" الآن ظاهرة فرط اليمينية هذه المتغوّلة من شأنها أن تستنهض هذه الأمة.

لدينا إمكانيتنا، المطلوب فقط علينا ألا نُهدرها، وألا نسلّمها لأعدائنا ليُحسنوا توظيفها لتقوية أنفسهم والعدوان علينا بمالنا، إذا أحسنّا إدارة مواردنا المادّية والطبيعية، وطبعاً إذا أحسنّا إدارة مواردنا البشرية، هذا لنا فيه حديث، نحن قادرون على أن ننتصر وأن نحقّق لهذه الأمة ولكل عربية وعربي فيها ما يحلم به ويليق به من حياة كريمة، جميلة، يستحقّها كل إنسان.

المصدر: الميادين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]