في موسم الشتاء، عندما تغيب الشمس ويسود الظلام مبكرًا نسبيا، تضيء المصابيح في منازلنا لساعات طويلة، بديهيًا ودون أدنى تفكير، (على الأقل حتى يحترق أحد المصابيح فجأة)، كما أننا، على الأرجح، لن نولي اهتماما كبيرا لمصابيح الشوارع، التي تضيء طريقنا الى المتجر القريب، أو إلى منزل أحد الأصدقاء، أو عند التنزه ليلًا على الشاطئ.

ومع ذلك، فإن كل هذه الإضاءة تستهلك الكثير من الكهرباء، معظمها من الوقود الأحفوري، الذي يؤدي استخدامه إلى تسريع تفاقم أزمة المناخ. أضف الى ذلك، أنه حتى الآن، هناك مجموعات سكانية حول العالم، غير موصولة بشبكة الكهرباء، وتضطر إلى قضاء الليل في الظلام، أو استخدام وسائل إضاءة أساسية وإشكالية فقط. هناك ابتكار جديد قد يوفّر حلًا للمشكلة، أفضل للبيئة وسهل المنال، انه مصباح يعمل بواسطة مياه البحر فقط.

يعمل المصباح الجديد، الذي يطلق عليه اسم" WaterLight"، (المصباح المائي)، بطريقة بسيطة للغاية، وكل ما يتطلبه الأمر لتشغيله لساعات متتالية، هو ملؤه بمياه البحر أو المحيط العادية. وقد تم تطويره، بالتعاون بين شركة الطاقة المتجددة الكولومبيةE-DINA ووكالة Wunderman Thompson. انه مصباح محمول، يزن حوالي 2 كجم، وبالإضافة إلى الإضاءة، يمكن استخدامه أيضا لشحن الأجهزة الصغيرة، ووفقا لموقع WaterLight الرسمي، فانه يمكن إعادة تدوير جميع المواد التي يتكون منها المصباح.

كيف يمكن للمصباح أن يعمل باستخدام الماء وحده؟ عندما تلامس المياه المالحة ألواح المغنيسيوم والنحاس داخل المصباح، تحدث عملية تأيّن (إنتاج أيونات، وهي ذرات أو جزيئات تحتوي على شحنة كهربائية) ، حيث تتحرك الإلكترونات بين الألواح، مما يتسبب في توليد الطاقة الكهربائية. المصباح مصنوع من مواد مقاومة للماء، ويمكن ملؤه عن طريق غمره في البحر، فتدخل المياه إليه من خلال فتحات في أعلاه، حيث تكفي كمية صغيرة نسبيا من الماء لتشغيل المصباح لفترة طويلة، ويكفي نصف لتر من الماء (كوبان)، لإضاءة المصباح لمدة 1000 ساعة، (أكثر من 40 يوما). بعد ذلك، يمكن إعادة ملء المصباح. من المفروض أن يعمل هذا الجهاز لمدة تصل إلى 5600 ساعة، والتي قد تمتد، في حال استُخدم بشكل صحيح، لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، الأمر الذي يُعطي أفضلية كبيرة لهذا المصباح، عن ابتكارات مماثلة أخرى طُرحت في الماضي، والتي وفّرت الإضاءة لعدد ساعات أقل بكثير، قياسًا لنفس الكمية من الماء.

أن تعمل في الحياكة والصيد، حتى بعد حلول الظلام

بالإضافة إلى التوليد الأكثر نظافةً لطاقة الإضاءة، اختراع كهذا المصباح الجديد، يمكن أن يساعد العديد من المجتمعات جنوبي الكرة الأرضية. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعيش حوالي 840 مليون شخص في جميع أنحاء العالم دون الكهرباء، ويضطرون إلى استخدام المصابيح الكهربائية التي تتطلب بطاريات باهظة الثمن، أو شموع يمكن أن تسبب الحرائق، عند حلول الظلام، أو التخلي عن الأنشطة اليومية الضرورية، عن التعليم، وحتى عن سبل العيش الضرورية.

تعيش بعض هذه المجتمعات بالقرب من البحر، مثل مجتمع الوايو (Wayúu)، الذي صُنع أول فوج من المصابيح خصيصًا لهم. نتحدث هنا عن مجتمع أصلاني، يعيش منذ آلاف السنين في شبه جزيرة "لا غواخيرا"، الواقعة على شواطئ البحر الكاريبي، وتتقاسمها كل من كولومبيا وفنزويلا، وقد تمكن الوايو من مقاومة الغزو الإسباني، والحفاظ على أسلوب حياتهم القَبَلي، وتقاليدهم العريقة، ولأن مناطق سكناهم جافة في غالبيتها، وغير صالحة للزراعة، تعتمد قبيلة الوايو على صيد الأسماك للحصول على الغذاء والاموال. تقليد آخر مهم في ذلك المجتمع، هو العمل بالنسيج اليدوي للحقائب والبطانيات والأراجيح الملونة بشتى الألوان

بمساعدة المصباح الجديد، يمكن لسكان الوايو الاستمرار في النسيج وصيد الأسماك، بعد حلول الظلام، ويمكن لأطفالهم أداء واجباتهم المدرسية على ضوء المصباح. ان تصميم المصباح مُستوحى من سكان الوايو، سواء في الرموز المحفورة على جسم المصباح، أو على الشريط المعدّ لتعليق المصباح، والذي تنسجه نساء القبيلة على الطريقة التقليدية عندهم.

ليس فقط على الشاطئ

وفقا للدكتور دانيال مدار، الباحث والمستشار العلمي والمؤسس المشارك لشركة " SP Interface"،
فإن مصباحًا مثل "المصباح المائي"، له فوائد كبيرة للمجتمعات التي تعيش بدون كهرباء، طالما أن هناك مياه مالحة قريبة. يقول: "على عكس المصابيح الشمسية، في هذه الحالة، لا يتعلق الموضوع بالطقس، وبالإضافة إلى ذلك، يمكنك استخدام هذا المصباح على الفور، دون انتظار شحنه."

تجدر الإشارة إلى أن المغنيسيوم والنحاس، اللذين يحتوي عليهما المصباح، ليست معادن نادرة، ويُستخدمان على نطاق واسع في العديد من المنتجات، (النحاس موجود في الكابلات الكهربائية، على سبيل المثال) وبالتالي فإنهما يشكّلان اختيارًا مناسبًا من حيث التأثير البيئي والتكلفة.

ومع ذلك، يذكر "مادر" أن جسم المصباح مصنوع من الخشب، وأنه ليس كل اختيار للخشب هو، بالضرورة، الأكثر رفقًا بالبيئة. "لكي يكون للشجرة بصمة كربونية منخفضة حقًا، من المهم التأكد من أنه تم قطعها بطريق القطع المستدام، وأنها تأتي من مصدر تديره جهة ما، بمعنى أنه إذا تم قطع الأشجار، فهذا يتم تحت المراقبة، حيث يتم زراعة الأشجار بكميات أكبر، لتعويض التأثير البيئي لقطع الأشجار ".

ماذا عن المجمّعات التي لا تعيش بالقرب من البحر؟ يمكن أيضا ملء المصباح بمياه عادية تم تمليحها، وحتى بالبول، لكن "مدار" يشير إلى أن هذه المحاليل ليست بالضرورة متوفرة أو فعالة بنفس القدر، بسبب اختلاف تركيبة الملوحة. ومع ذلك، قد تكون هناك حلول أخرى، حيث يقول مدار: "طالما أن مسافة السفر ليست كبيرة جدا، يمكن ملء الخزانات من مياه البحر مرة واحدة في الأسبوع، أو مرة واحدة في الشهر، ونقلها إلى المجمّعات السكانية.

تجدر الإشارة، إلى أنه عندما تم إطلاق المشروع في عام 2021، تراوحت تكلفة المصابيح بين 60 دولارا إلى 100 دولار لكل مصباح، وهي أسعار باهظة للسكان الجنوبيين، لذا فهناك حاجة لمنظمات، مثل الجمعيات أو الحكومات، لشراء المصابيح للسكان، الى جانب عمل شركة E-DINA على تقليل تكاليف الإنتاج.

تخطيط يأخذ مصلحة المجتمع في عين الاعتبار

يضيف "مدار"، أن هذا الاختراع قد يكون مفيدًا أيضا في إسرائيل، ويقول: "في منطقة النقب، والضفة الغربية، يعيش العديد من البدو دون كهرباء، وحتى لو أصبح لدى بعض المجمّعات حلول، مثل الألواح الشمسية والبطاريات، فمن الممكن توسيع خياراتهم، وإضافة مثل هذه المصابيح أيضا. يمكن استخدام المصابيح حتى في الأيام غير المشمسة، وهي متنقّلة، ويمكنها العمل في أي مكان، بحيث يمكن إخراجها من البيوت وأخذها أينما شئنا".

هل سيخدم الحل أيضا المجتمعات التي تتمتع بإمكانية الحصول على الكهرباء؟ هل سينزل سكان تل أبيب الذين يعيشون بالقرب من الساحل، إلى البحر، لملء مصابيحهم بالمياه، وهل سيتم استبدال الإضاءة التي تعمل بالوقود الأحفوري، على شواطئ إسرائيل، بالمصابيح المائية؟ وفقًا لأقوال "مدار"، طالما أن تكاليف الإنتاج لا تزال مرتفعة، فمن غير المرجح أن تحدث مثل هذه الخطوة على نطاق واسع. "ومع ذلك، يمكن تسويق المصابيح للمستجمّين، على سبيل المثال، حتى تتمكن الشركة المصنعة من استخدام الأرباح لتقليل تكلفة المصابيح، عن أولئك الذين يحتاجون إليها"، كما يقول.

ووفقا لمدار، فإن إحدى المزايا الكبيرة للمشروع، هي ملاءمته للمجمّعات التي من المتوقع أن تستخدمه ويقول: "في كثير من الأحيان، عند البحث عن حلول للطاقة، لدى المجمّعات المحرومة من الكهرباء، لا يكون التفكير حقيقيًا وذو نظرة مستقبلية، وعندما لا يناسب الحل مجتمعًا ما، سيتوقفون عن استخدامه سريعًا، وتذهب الجهود المبذولة فيه هباءً، ولكننا هنا، نرى حلًا يجيب بنجاعة على النقص الذي يعاني منه أولئك المحرومون من الكهرباء، وسيكون استخدامه سهل ومريح، ولا يتطلب تكاليف اضافية، ويمكن أن يخدم عدة سنوات دون تدابير خاصة".

أعدّت المقال “زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]