كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن الجهة المسؤولة عن الرحلات الغامضة التي نقلت فلسطينيين من قطاع غزة عبر مطار رامون خلال الأشهر الأخيرة، هي جمعية يديرها شخص يحمل جنسية مزدوجة إسرائيلية – إستونية، وتبيّن لاحقًا أنها مجرد واجهة لشركة استشارات مسجلة في إستونيا.

وبحسب التحقيق، عرضت الجمعية على الفلسطينيين دفع ما يقارب 2000 دولار مقابل مقعد على رحلات طيران مستأجرة تتجه إلى دول بعيدة مثل إندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا. وأحالت مديرية الهجرة الطوعية في وزارة الدفاع الإسرائيلية نشاط هذه الجهة إلى منسق أعمال الحكومة لتنسيق خروج الفلسطينيين من القطاع بشكل رسمي.

مسار شبه منظم للتهجير

أشارت الصحيفة إلى أن عدة رحلات أقلعت من مطار رامون قرب إيلات خلال الأشهر الماضية، وعلى متنها مجموعات من الغزيين، ما يدل على وجود مسار منظم وليس مجرد مبادرات فردية.

ويدّعي موقع الجمعية الإلكتروني أن مقرّها في ألمانيا ولها مكاتب في القدس الشرقية، لكن التحقيق كشف أن تسجيلها الحقيقي يتم في إستونيا وأن نشاطها يُدار من خلال شركة استشارية تُدعى Talent Globus.

كما يفتقر الموقع لأي أرقام تواصل أو عناوين واضحة، بينما الروابط المؤدية لصفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي لا تقود إلى حسابات حقيقية، ما زاد من الشكوك بشأن طبيعة عملها.

ارتباط بشركة يقودها شخص يحمل جنسيتين

أظهر البحث في السجل التجاري الإستوني أن شركة Talent Globus أسسها قبل عام شخص يدعى تومر يانار ليند، المولود عام 1989 ويحمل الجنسيتين الإسرائيلية والإستونية. وتشير سجلات الشركات في بريطانيا إلى أنه أسس خلال العقد الماضي أربع شركات، ثلاث منها أصبحت غير نشطة.

وفي صفحته على “لينكدإن” يذكر ليند أنه “يساعد الغزيين”. وعندما تواصلت هآرتس معه عبر رقم هاتفه في لندن، لم ينكر تورطه في تنظيم الخروج، لكنه رفض الكشف عن الجهة التي تموّل الجمعية قائلاً:
“لست مهتمًا بالتعليق في هذه المرحلة، ربما لاحقًا”.

كيف تعمل الجمعية؟

انتشر رابط ما يُعرف بـ”جمعية المجد” على شبكات التواصل في غزة خلال الأشهر الأخيرة، ودعا الفلسطينيين إلى تعبئة بياناتهم لطلب المغادرة.
وبعد الموافقة الأولية، يتلقى المرشحون تعليمات لتحويل مبلغ بين 1500 و2700 دولار، ثم يُضافون إلى مجموعة “واتس آب” يتم من خلالها إرسال تحديثات عن موعد المغادرة. ويتم التواصل مع الغزيين فقط عبر رقم يبدو إسرائيليًا.

أولى الرحلات: مايو ثم أكتوبر
• 27 مايو: غادرت أول مجموعة مكوّنة من 57 فلسطينيًا. وفي الليلة السابقة، تلقى المشاركون رسالة توضح موقع التجمع داخل القطاع. ومن هناك نُقلوا بحافلات إلى معبر كرم أبو سالم، وبعد فحص أمني، إلى مطار رامون حيث أقلعت بهم طائرة مستأجرة تابعة لشركة Fly Lili إلى بودابست، ومنها إلى إندونيسيا وماليزيا.
• 27 أكتوبر: خرجت مجموعة ثانية تضم 150 فلسطينيًا عبر المسار نفسه تقريبًا. أقلعت الطائرة من رامون عبر شركة FlyYo إلى نيروبي، ثم نُقلوا بطائرة تابعة لشركة Lift إلى جوهانسبورغ. وأكد التحقيق أن هذه المجموعة دخلت جنوب إفريقيا دون عراقيل، ونشر بعض أفرادها صورًا من حياتهم الجديدة.

صور حصلت عليها هآرتس من معبر كرم أبو سالم أظهرت عدداً من الغزيين يرتدون قمصانًا وقبعات تحمل شعار “المجد”.

مخاوف منظمات حقوق الإنسان

صحيفة يديعوت أحرونوت قالت إن منظمة “المجد” التي تزعم أن مقرها في القدس، هي من نظمت خروج أكثر من 150 فلسطينيًا. ونقلت عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن إسرائيل رافقت الحافلات من داخل غزة حتى معبر كرم أبو سالم، ومنه إلى مطار رامون.

ووفق الصحيفة، أثارت سرية هذه الرحلات مخاوف حقوقية، إذ حذرت منظمات دولية من احتمال كونها جزءًا من مخطط تهجير منظم للفلسطينيين من القطاع.

ونقلت عن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية غسان عليان قوله إن خروج الفلسطينيين تم بعد حصول إسرائيل على إذن من “دولة ثالثة” لاستقبالهم، دون الكشف عن هويتها.

خلفية أوسع

تشير “يديعوت أحرونوت” إلى أن نحو 40 ألف فلسطيني غادروا قطاع غزة منذ بدء الحرب في 8 أكتوبر 2023. وكانت تقارير دولية، من بينها “أسوشييتد برس”، قد كشفت أن إسرائيل بحثت سابقًا مع دول مثل جنوب السودان استقبال فلسطينيين من غزة.

ويترافق ذلك مع تصريحات متكررة من وزراء في الحكومة الإسرائيلية تدعو إلى “تشجيع الهجرة” من القطاع، في إطار الحرب المستمرة منذ عامين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]