شارك المئات، مساء أمس الأربعاء، في قرية البعنة، في تشييع جثمان الفنان الفلسطيني والعالمي الكبير محمد بكري. انطلق موكب الجنازة من منزل العائلة وسط مشاركة شعبية واسعة، حيث شُيّع الجثمان ملفوفًا بالعلم الفلسطيني، وودعه المشيعون  بكلمات مؤثرة، استحضرت مسيرته الفنية والوطنية ومواقفه الثابتة. وخلال الجنازة أُلقيت كلمات رثاء من سياسيين وفنانين ومثقفين، أكدت أن محمد بكري لم يكن فنانًا عابرًا، بل حالة ثقافية ووطنية حملت صوت شعبها إلى العالم ودافعت عن الكرامة والحرية حتى اللحظة الأخيرة.

رحيل قامة فنية ووطنية
وجاءت هذه الجنازة بعد أن فقدت الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية، أمس الأربعاء، الفنان محمد بكري، ابن قرية البعنة، عن عمر ناهز 72 عامًا، وذلك بعد وعكة صحية أُدخل على إثرها إلى المستشفى قبل أيام، حيث مكث في قسم العناية المركزة إلى أن فارق الحياة بعد ظهر أمس. وقد شكّل رحيله صدمة واسعة في الأوساط الثقافية والسياسية والشعبية، نظرًا لما مثّله من قيمة فنية وإنسانية، ولدوره الريادي في نقل الرواية الفلسطينية إلى المسارح وشاشات السينما في العالم.

السيرة الذاتية والمسيرة الفنية
وُلد محمد بكري عام 1953 في قرية البعنة في الجليل. درس المسرح في جامعة تل أبيب، وبدأ مسيرته الفنية على خشبة المسرح، قبل أن ينتقل إلى السينما والتلفزيون. سرعان ما أصبح اسمًا مركزيًا في المشهد الفني الفلسطيني داخل إسرائيل، ثم على المستوى العربي والعالمي، مقدّمًا عشرات الأدوار المسرحية والسينمائية، ومتميّزًا بأداء عميق لشخصيات إنسانية مركّبة، فلسطينية وعالمية. شارك في أعمال سينمائية عربية ودولية، ونجح في اختراق الساحة العالمية ممثلًا لقضية شعبه وللموقف الإنساني والتقدمي عبر الفن.

الفن والموقف
كان محمد بكري حاضرًا في نشاطات ونضالات الحزب الشيوعي والجبهة، مشاركًا بصوته ومكانته الفنية في العمل الكفاحي والثقافي للجماهير العربية، ومؤكدًا التزامه الدائم بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الفلسطينيين وحرية التعبير والفن الملتزم. وشكّل تجسيده لشخصية سعيد أبي النحس المتشائل، في المسرحية المقتبسة عن رواية الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل للأديب إميل حبيبي، محطة مفصلية في مسيرته الفنية، حيث قدّم عرضًا مونودراميًا لافتًا، مزج فيه السخرية السوداء بالمرارة السياسية، وجال على مسارح محلية وعالمية، وحظي بإشادة نقدية واسعة، رسّخت مكانته كفنان قادر على تحويل الأدب السياسي إلى فعل مسرحي حيّ.

جنين جنين والملاحقة
ومن أبرز محطاته إخراج الفيلم الوثائقي الشهير جنين جنين عام 2002، الذي وثّق شهادات من مخيم جنين بعد الاجتياح الإسرائيلي. أثار الفيلم جدلًا واسعًا، وتعرّض بسببه لحملات تحريض وملاحقات سياسية وقضائية استمرت قرابة عشرين عامًا، تلاقت فيها جهات متطرفة وعنصرية مع المؤسسة الحاكمة وبمؤازرة جهاز القضاء. فُرضت عليه غرامات باهظة، وحُظر عرض الفيلم، لكنه لم ينكسر، وبقي ثابتًا، مواصلًا نشاطه الفني والثقافي حتى رحيله.

أعماله وإرثه
شارك محمد بكري في أكثر من 43 عملًا بين تمثيل وإخراج وتأليف وإنتاج، من بينها من وراء القضبان، حيفا، حنا ك، وتحت أقدام النساء. تنقّل بين مسارح حيفا والقصبة في رام الله وغيرها، وبقي وفيًا لقناعته بأن الفن أداة تحرر وكرامة، وبأن الدفاع عن حق الفلسطيني في السرد والرواية والذاكرة جزء لا يتجزأ من دور الفنان.

نصوص رثاء بعد الرحيل
وعقب إعلان وفاته، نعاه عدد كبير من السياسيين والمثقفين والفنانين الفلسطينيين والعرب.


د. يوسف جبارين:
وداعًا محمّد بكري

رثاء الفنان الكبير والصّديق الرّفيق محمّد بكري ليس بالأمر السّهل، الغصةُ كبيرةٌ، بحجم الإرث الّذي تركه أبو صالح لنا، إرثٌ فنيٌ وإنسانيٌ ووطنيٌ لا حدود له.

شكّل أبو صالح حالةً فريدةً في تاريخ شعبنا، ونقل قضيتنا ومعاناة شعبنا إلى شاشات السينما والمسارح، وترجم واقعنا المُعاش إلى لوحات فنيّة، اخترقت الحدود وأصبحت مرجعًا هامًّا لكلّ المعنيين بفهم واقعنا أكثر.

أبو صالح استحقّ عن جدارة لقب الفنان المشتبك والمثقّف العضويّ، وهو من عانى من الملاحقة السّياسيّة والتّحريض العنصريّ وتواطؤ المنظومة القضائيّة، وعلى الرّغم من ذلك، رفض أن يُنتج فنًّا منفصلًا عن واقع شعبه ورفض أن يزيح قدر أنملة عن الدرب، قائلًا بابتسامته المعهودة، وبثقة المتشائل في داخله: "إيش الإنسان بسوى بدون حبّة كرامة؟".

نودّع قامةً من قامات شعبنا. نرثي الفنان الّذي رحل عنّا لكن لا نرثي فنّه الّذي كُتِب له الخلود.

رحمك الله أبا صالح.


محمد بركة رئيس لجنة المتابعة السابق
محمد بكري
الصديق الحبيب ورفيق العمر
الانسان الكبير
الفنان العظيم
المبدع الشجاع الذي لم تنجح الصهيونية وزعانفها في كسره
الابن البار للشعب الفلسطيني
رجل العائلة المحب والدافئ
غادر عالمنا وسيظل يسكن في قلوبنا وضمائرنا ووجداننا

حبيبي ابو صالح، وداعا
رحمك الله يا اخي

عضو الكنيست د. عوفر كسيف

‎رحل محمد بكري، ممثل عظيم، مخرج كبير، وصديق عزيز بمثابة أخ. رجل سلام تعرّض للهجوم والتشهير والملاحقة بلا انقطاع بسبب مواقفه الشجاعة، التي عرف كيف يعبّر عنها بموهبة وابداع كبيرين في أعماله.

تعازيّ الحارة لعائلته ولأصدقائه ورفاقه الكثر الذين لا يُحصَون.
لتكن ذكراه حرية وسلام.



النائب عايدة توما سليمان
محمد بكري، الفنان الاصيل، الابن البار لشعبه الذي لم تكسره هجمات اليمين الصهيوني ، عاش حرا وابدع حرا يرحل عن هذا العالم عزيزا.

يا ابو صالح، هزني بالامس ان اراك غائبا عن الوعي في المشفى بالامس وانت الذي لم تغيب يوما وعيك لنضالات شعبك ولالمه ومأساته.

ستبقى بيننا بما ابقيت لنا، فنك واعمالك، صوتك، ووقفة العز التي اجدتها.

وداعا ابو صالح الرفيق الرفيق.

النائب أيمن عودة
الحبيب محمد بكري قُبلة على جبينك.

فارقنا الفنان الكبير محمد بكري.

أبو صالح فنان كبير، وفرض حضوره على السينما باقتدار. كان بأفلامه هو المركزي، لأن هذه هي شخصيته الفنية.
أبو صالح الممثّل الوحيد بأطول عرض مسرحي بمسيرة الفلسطينيين الباقين، وهي مسرحية المتشائل التي عُرضت بتواصل دائم طيلة أكثر من أربعين عامًا.
أبو صالح لوحق بشراسة بعد فيلمه جنين جنين، وهذه الملاحقة آلمته جدًا وتركت أثرًا بوجدانه، ولكنه واجهها بصلابة وشموخ.
أبو صالح يفاجئك دائمًا ببراءته. تظنّ أنك تعوّدت على هذه البراءة ولكنك تتفاجأ مجددًا وتبتسم له بحبّ.

أبا صالح أيها المساهم الكبير بمسيرة شعبنا، قُبلة على جبينك.

د. باسل غطاس
عيد بأي حال عدت يا عيد

رحيل الفنان الكبير محمد بكري وقد كان حتى قبل أيام قليلة يزاول نشاطه المعتاد. محمد العامل الذي يكدح من أجل اللقمة وعمل في بناء جدران "الطلياني" ومختلف أعمال البناء واستطاع رغم كل شيء تكوين شخصية الفنان المخرج والممثل وبرز على المستوى الفلسطيني والعربي صاحب موقف وعزة نفس وعنفوان ميزه وجعله علما ومثلا للفنان الملتزم والمشتبك. لقد زرع محمد شتلة الفن المقاوم في وطنه ضحية الاحتلال والاستيطان وخلف وراءه عائلة فنانين تسير على دربه . سيبقى ذكره مخلدا في ذاكرة شعبه ومحبيه. رحمه الله وأحر التعازي للعائلة ورفاق الدرب.


الشاعر تميم البرغوثي
رحم الله محمد بكري، حظيت بمعرفته الشخصية منذ تقديمه معالجة مسرحية فذة لرواية إميل حبيبي "المتشائل" في القاهرة، والتقيت به مراراً في بيتنا، بيت مريد ورضوى في وسط البلد ، وهو الذي صنع فيلم جنين جنين عن اقتحام العدو للمخيم في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ودفع ثمن ذلك ملاحقة واضطهاداً من العدو….فلسطين أشد وحشة دونك ، ودون جيلك ، ودون هذا الخليط العجيب بين الثباتين، ثبات اليأس من الإنصاف وثبات اليقين من حتميته ، فترى الرجال جبالاً تضحك، ثقلها وخفتها لا تناقض بينهما، ولا تناقض بين يأسها وأملها…
يا بن الماشين على الماء… مهلاً، نحن على الطريق


المخرج والكاتب المصري باسل رمسيس
محمد بكري بالنسباللي يعني إميل حبيبي. الأتنين دول مش بعرف أشوفهم في ذهني غير باعتبارهم حاجة واحدة: المثقف العظيم، اللي بيعلم ابنه الروحي، محمد بكري، يعافر ضد العزلة اللي إتفرضت عليهم من 1948، والعنصرية، والاحتلال.. بالفن. أيًا كان نوع الفن. لكنه فن عمره ما بينفصل عن السياسة.
محمد بكري مش بس ممثل كبير جدا، محمد بكري مثقف كبير جدا. كبير لدرجة أن ده ينعكس في التواضع والصبر، وأنه يرد على مكالمات اللي مابيعرفهمش بود، ويكلمهم كأنهم صحاب من زمان، أو رفاق من زمان. حتى ولو كان مريض.
وهو الفنان ابن العيلة اللي طول الوقت كانت بتتلاحق من الاحتلال، وعمره ما وطى راسه أو إتراجع أو خاف. وهو كمان مخرج الأفلام التسجيلية. اللي بيدخل مخيم جنين بعد المذبحة، عشان يعمل فيلمه الأول كمخرج. ويمشي يوزعه في الشوارع مع ابنه صالح، بعد ما إتمنعت عروضه.
وبيرجع للمخيم بعديها بخمسة وعشرين سنة رغم وجع القلب. وبينهم بيعمل "من يوم ما رحت"، عشان يقعد عند قبر أبيه الروحي إميل حبيبي، يحكيله عن اللي حصل من ساعة ما مشي، ويقوله عن إنتفاضة أكتوبر 2000: "قطفوا 13 شاب متل غصون الريحان.. من عنا.. من جوّه". وبعديها في فيلم جديد، يمجد خالته زهرة وكل الجيل اللي عاش النكبة، وقريته البعنة، وخاله حسن والشيوعيين زمايله اللي واجهوا الإحتلال من اللحظة الأولى، وصمدوا في فيلم "زهرة".
محمد بكري قيمة بتجمع المبدأ بالنضال بالصمود بالفن.
مع السلامة يا أستاذ.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]