من خلال قضية “قطرغيت” تبيّن أن ما يُعرف بعملية “تهيئة العقول” لدى جماعة الإخوان المسلمين لم يعد يُدار عبر المنابر الدينية أو خطب الأئمة، بل من خلال تجنيد مأجور لأشخاص يتحكمون بأقدس مواقع اتخاذ القرار في دولة إسرائيل.
أحد المبادئ المركزية التي تقود حركة الإخوان المسلمين هو نشر أيديولوجيتها عبر ما يُسمّى “تهيئة القلوب والعقول”، أي التأثير الناعم لا القسري، عبر خطاب ديني وسياسي شامل، يتضمن في جوهره رسائل معادية للسامية، ويهدف إلى اختراق الوعي الجمعي والتأثير على الوجدان العام.
في الماضي، اعتمد الإخوان المسلمون على المساجد ومنظومة “الدعوة” لنشر أفكارهم. أما اليوم، ومن خلال ما كُشف في قضية مكتب نتنياهو، يتضح أن هذه “التهيئة” باتت تُنفّذ عبر أشخاص مأجورين تم إدخالهم إلى صلب عملية صنع القرار، ما يتيح التأثير على الرأي العام والتلاعب بالجماهير من الداخل.
في هذا السياق، جرى تجنيد قمة مكتب رئيس الحكومة لترويج صورة زائفة لدى الجمهور الإسرائيلي، تُصوّر مصر — الدولة الأكبر في العالم العربي وصاحبة اتفاق سلام مع إسرائيل — كدولة معادية، في حين جرى تقديم قطر، الداعم المركزي للإخوان المسلمين وحماس، على أنها دولة “معقّدة” و”صديقة”.
المفارقة أن الإخوان المسلمين يُعتبرون خصمًا مباشرًا في معظم الدول العربية السنية المعتدلة، من بينها مصر، السعودية، الأردن، السلطة الفلسطينية والإمارات. أما في إسرائيل، فقد جرى إدخال الإخوان المسلمين وقطر إلى “الحوض الزجاجي” للأمن القومي، إلى أقرب دائرة من رئيس الحكومة. ويمكن تخيّل حجم الذهول لدى قادة تلك الدول، إذ إن مجرد الاشتباه بعمل مستشار لديهم لصالح قطر كان كفيلًا بإنهاء مسيرته فورًا.
في القاهرة، يحاول المسؤولون اليوم فهم ما يجري. كيف يُعقل أن مكتب نتنياهو أدار حملة ضد مصر، رغم أن القاهرة، منذ إسقاط حكم الإخوان في تموز 2013، خاضت حربًا فعلية ضد التهريب من سيناء إلى غزة، وعملت ميدانيًا وبشكل وثيق مع الجيش الإسرائيلي لتحييد الأنفاق على محور فيلادلفيا؟
عمليات التهريب عبر هذا المحور تراجعت على مرّ السنين، ومع ذلك، عندما كانت إسرائيل تنقل معلومات استخباراتية إلى مصر، كانت القاهرة تتعامل معها بجدية، حتى عندما تعلّق الأمر بمعبر رفح.
لكن بعد مقتل ستة رهائن، وخروج الاحتجاجات في إسرائيل، وإصرار نتنياهو على عدم التوصل إلى اتفاق مع حماس، اكتشف المصريون فجأة رواية جديدة:
أن القاهرة تستعد لحرب ضد إسرائيل، وأن محور فيلادلفيا هو مركز التهريب الرئيسي — وفق ادعاءات نتنياهو.
وفي الوقت ذاته، كانت إسرائيل تسمح بإدخال أموال قطرية إلى حماس، بل وكانت على علم بأن قطر حوّلت أموالًا إضافية عبر صندوق خاص، من دون موافقة إسرائيلية.
هنا تدخل إسرائيل منطقة رمادية خطيرة. والمفارقة العبثية أن نتنياهو، بعد تفجّر القضية داخليًا، لم يُبعد المشتبه بتلقيهم أموالًا قطرية عن محيطه، بل واصل تشغيل بعضهم، كما في حالة يوناتان أوريخ، عبر حزب الليكود.
أوريخ ليس استثناءً، بل نموذجًا لنهج مستمر داخل مكتب رئيس الحكومة، حيث جرى تشغيل أشخاص يواجهون لوائح اتهام جنائية، وآخرين يعانون من مشاكل مخدرات، كحول، أو قضايا أخلاقية خطيرة. مكتب يُشتبه بأن رئيس ديوانه التقى شخصًا عمل لصالح قطر في موقف سيارات تحت الأرض، مع إبعاد الهواتف ومحاولات لعرقلة التحقيق.
هذا مكتب يحتاج إلى تحقيق شامل وعميق لفهم حجم الفساد والانحلال الأخلاقي الذي تفشّى فيه. وفي نهاية المطاف، من يقف على رأس هذا المكتب هو بنيامين نتنياهو، الذي يُفترض أن يتحمل المسؤولية — وهي كلمة يحاول الهروب منها منذ 7 تشرين الأول 2023.
نتنياهو لم يكتفِ بإدخال أشخاص عملوا لصالح قطر والإخوان المسلمين إلى محيطه، بل سمح أيضًا بإدخال مئات ملايين الدولارات نقدًا إلى حماس، أموال تحولت لاحقًا إلى وسائل قتالية استُخدمت ضد إسرائيل في 7 أكتوبر.
[email protected]
أضف تعليق