فجعت عرابة الشهر الماضي بنبأ وفاة المرحوم إسماعيل نصار، الذي توفي إثر تعرضه لأزمة قلبية حادة خلال قيامه بقطف الزيتون. وقد كان المرحوم قد شغل وظيفة المراقب الداخلي في مجلس عرابة المحلي لسنوات طويلة، سبقها دوره الوطني والتربوي، حيث كان معلما خلال فترة الثمانينيات، ليفصل من عمله بسبب مواقفه الوطنية وانتمائه السياسي يومها لحركة أبناء البلد.

أنجب المرحوم إسماعيل نصار خمسة أبناء، أكبرهم هو علي، الذي تخرج العام الفائت من ثانوية ابن خلدون في عرابة والتحق بدراسة الطب في رومانيا.

قرر علي أن يحقق الحلم الذي لم يستطع المرحوم والده تحقيقه، فلطالما حلم إسماعيل بدراسة الطب عندما كان في ربيع العمر، إلا أن فقدانه لوالده حرمه من السفر للخارج وتعلّم الطب!.

يدرس علي الطب اليوم في جامعة "كارول دافيلا" في رومانيا، وقد تلقى خبر وفاة والده أثناء الدراسة هناك، فعاد إلى البلاد مسرعا، ودّع والده وواراه الثرى قبل أن يسافر مجددا لاستكمال دراسته.

أن أتخرج طبيبا لم يعد حلمي فقط، وإنما حلم المرحوم والدي... وسيتحقق!

يقول علي إن وفاة والده قلبت كل الموازين، فقد كان لوالده المرحوم أكبر الأثر في قلبه، وقد أثرت وفاة والده على حياته الشخصية، بعد أن كان الوالد، كما يقول علي، أغلى ما في وجوده. لقد كان المرجع الأول والأخير في كل خطوة خطاها علي.

يقول علي: "لقد كان معلما وأبا ورفيقا وأخا لي، استطاع أن يدمج بين كل هذه الصفات بشخصه، فكان دليلي بكل خطوة أخطوها، وكان سببا لنجاحي. ولقد كانت خطوتي الأهم خلال حياتي هي تعلم الطب، وكان أبي، رحمه الله، هو من أرشدني وأوصلني بكل ثقة إلى هذه المرحلة الهامة في حياتي. وها أنا ذا أعاهده بأن أكون أشد إصرار، وأكثر إخلاصا في تحقيق حلمي الذي هو حلمه. أعاهده أن أدرس واجتهد لأتخرج طبيبا، فإني اليوم لا أحقق حلمي الشخصي فقط، بل أحقق حلم والدي الذي أصبح لدي المزيد من الأسباب من أجل الإصرار على تحقيقه".

مسؤوليتي الكبرى اليوم، هي النجاح وتحقيق الحلم

وحول سؤالنا إن كانت وفاة والده قد أثرت على تعليمه الأكاديمي وهل بدأ يستصعب أمورا تعليمية كانت سهلة، أجاب علي قائلا: "لا! الأمور عادية جدا، فأنا بالغربة منذ قبل وفاة والدي، وقد تعلمت بان أعتمد على نفسي قبل فقدانه. لكني أعتقد أن الأمور كانت ستتغير لو أني كنت في بلدي، عرابة. فهناك، سيكون الشعور مختلفاً، كنت سألمس الحاجة الماسة إلى حضن أبي الدافئ وصوته".

أما عن سؤالنا عن ازدياد مسؤوليته تجاه العائلة، خاصة وأنه البكر في العائلة، فقال إنه من الطبيعي أن تزداد مسؤوليته وأن يتحمل أعباءها، لكن ذلك لن يمنع إصراره الذي ازداد عن ذي قبل على إنهاء تعليمه بامتياز.

ويضيف: "أحد الأعباء الملقاة على عاتقي أصلا، هي إنهاء تعليمي بسرعة كبيرة، واجتياز الامتحانات بنجاح وحصولي على اللقب. هذه هي مسؤوليتي تجاه عائلتي، ومسؤوليتي تجاه وعدي للمرحوم والدي. لذا، سأنهي تعليمي بأسرع وقت وبأكبر نجاح لأعود إلى بيتي وأهلي وأتحمل بقية الأعباء والهموم. ورغم أني لن أنجح بتحمل ما حمله أبي من أعباء ومسؤوليات بنفس القدر من الإخلاص والقدرة على التحمل، إلا أني سأكمل طريقه كما علّمني وأرشدني".

أبي، لك الرحمة... وأعدك أن أنجح بدراستي وبعملي

وقد حدثنا علي عن مسؤولية المرحوم والده تجاهه، حيث علّمه أن يتخذ قراراته، مهما كانت صعبة، وينفذ خطواته بنفسه. إلا أنه رغم ذلك، كان يستشيره بكل خطواته في حياته اليومية.

ويضيف علي: "كنت أرتاح كثيرا لوجود أبي، فقد كنت أستشيره بكل خطوة أخطوها. وإذا أخطأت كان والدي يعمل على إصلاح أخطائي. أما اليوم، فاختلف الأمر، أصبحت مسؤولا أيضا عن إصلاح أي خطأ ارتكبه!".

وأكد رغم ذلك، أن الحزن من ورائه اليوم، فالحياة مستمرة.

وفي الختام قال علي إنه يتمنى لوالده الرحمة، وأن يجعل الله مثواه الجنة. واختتم حديثه بالقول: "أعد والدي أن أكون طبيبا خلال ست سنوات، كما رغب دائما. والاهم، أن أكون طبيبا معروفا ومشهورا في كل المنطقة وهذه ستكون أجمل تحية لروح والدي".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]