مَرةً أخرى، وبعد فشل لقاء موسكو، خُذل الشعب الفلسطيني من طرف فصائله وقواه السياسية في تحقيق اختراق في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام القاتل للمشروع الوطني. ومَرةً أخرى يخفق "أصحاب القرار في الساحة الفلسطينية في الارتقاء والمسؤولية الوطنية"، أنهم ليسوا على قدر مسؤولياتهم الوطنية، أقول هذا وكلي أسف أننا جميعا لم نعد قادرين على تحصيل وحماية قضيتنا شيء يحمي قضيتنا التي تتعرض منذ ولادة الحركة الصهيونية لمشاريع ومحاولات تصفية سرية وعلنية، ونحن الآن بضعفنا وفرقتنا نُعطي دولة الاحتلال ومن ورائها الإدارة الأمريكية مزيدا من الأسلحة لتنفيذ ما يخططون له في إنهاء وتصفية الوجود الفلسطيني، تمهيدا لإقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، وللأسف الشديد هناك من أبناء جلدتنا العرب من يساعدهم على ذلك.

جَلد الذات لا يُجدي نفعاً، والسكون إلى الواقع العربي والاقليمي والدولي، وتحميل المسؤولية لهذا الطرف المحلي أو الخارجي لن يقودنا إلا إلى مزيدا من الضعف والفرقة، والتقوقع على الذات الحزبية، والتمسك بالشعارات الفئوية سيصل بنا إلى الانهيار التام والذي بَعدهُ لن ينفع الاسف ولا الندم، فالانهيار سيطال جميع مكونات المشروع الوطني ولن يستثني أحدا لأن أعداء الشعب الفلسطيني لا يفرقون بين تنظيم وآخر وبين فلسطيني وآخر فالقاعدة عندهم تقول "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت" فالكل مستهدف ولن ينجوا احدا.

الهجمة الدائمة المتجددة المتواصلة على القضية الفلسطينية والتي من ضمن حلقاتها "صفقة القرن" بمفرداتها المُنفذة على الأرض، ورأينا منها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ومحاولات تغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني، ومؤتمر وارسو الذي فتح الطريق وشرعن التطبيع الرسمي بين دولة الاحتلال والعديد من الأنظمة العربية في محاولة للقفز عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتصوير ايران كعدو وحيد للعرب وأن "إسرائيل" هي المنقذ لهم من غول الأطماع الايرانية، كفيل أن يدفعنا كفلسطينيين لإعادة النظر بشكل وطبيعة علاقاتنا الداخلية والخارجية؛ باتجاه تمتين الوضع الداخلي وتجاوز الخلافات الفئوية والشخصية والذهاب نحو ايجاد قواسم مشتركة تساعدنا على حماية قضيتنا بحكم أن جميعنا في خندق واحد، كذلك العمل مع الشعوب العربية لمقاومة ما يُفرض عليها من إجراءات قد تبدو في ظاهرها تخدم مصالحها ولكن هي في جوهرها تخدم أطماع الحركة الصهيونية المدعومة من "الصهيونية المسيحية" المتنفذة في دوائر صنع القرار في أمريكا والعديد من عواصم العالم.

بداية لا بد أن نعترف بأن إنهاء الانقسام هو ضرورة وليس خيارا لأن الوحدة هي حجر الارتكاز في مواجهة "صفقة القرن" وفي حماية المشروع الوطني، وهذا يتطلب وضع كل خلافاتنا جانبا وتوظيف كل تناقضاتنا الداخلية وتوجيهها نحو التناقض الأساسي والرئيسي مع دولة الاحتلال، فبدون ذلك لن يبقى الشعب الفلسطيني صامتا أمام استخفاف القائمين على المشروع الوطني بطموحاته في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والتفرغ لمقاومة الاحتلال بكل مفرداته وافرازاته، فلا بد أن نكون جميعا في خندق واحد وأن نعيد ثقة الشارع بقياداته عِبر تجديد الشرعيات والشراكة والمشاركة والمصارحة والشفافية في إدارة الشأن الوطني العام.

كذلك لا يمكن الإنكار أو حتى مجرد التشكيك بأن الشعوب العربية هي المخزون الاستراتيجي الاهم في مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية وفي محاولات تدجين الأنظمة الرسمية وفتح المجال أمام دولة الاحتلال لاختراقها وتوظيف طاقاتها المادية والبشرية في خدمة مشروعها الصهيوني، فعلينا مسؤوليات كبيرة في إعادة اصطفاف الشارع العربي إلى جانبنا بشكل أكبر واكثر تنظيما ووضحا، وهذا يتطلب منا كفلسطينيين أولا الاتفاق فيما بيننا على برنامج سياسي واحد، وثانيا وضع خطة تحرك برأسين واحد رسمي تتولاه الجهات ذات الاختصاص في منظمة التحرير الفلسطينية لمجابهة ما تقوم به حكومة الاحتلال من خطوات تطبيعية مع دول عربية وتبيان مدى حقيقته والعمل على ثَني هذه الدول عن أفعالها التي لا تضر فقط بالقضية الفلسطينية بل أيضا بالمصالح العربية. والشق الآخر من الخطة هو على مستوى شعبي للمساهمة في استنهاض الشعوب العربية لكي تقف في وجهة المشروع الصهيوني الهادف إلى تدمير المنطقة العربية وبناء "الدولة اليهودية" على أنقاضها، وتحويل الشعوب العربية إلى مجرد عبيد وخدم لديها ليس أكثر.

نحن بحاجة إلى إعادة استنهاض العمل الجمعي المشترك، نحن بحاجة إلى تغليب المصالح العامة على المصالح الفردية والفئوية، نحن بحاجة إلى إعادة روح التكافل بين الفلسطينيين أفرادا وجماعات، إعادة ثقافة المقاومة، والاهم إعادة مفهوم أننا جميعا في خندق واحد، قبل أن يغرقنا الطوفان.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]