ما زال حزب التجمع- حتى اليوم- مستمرًا في مساره نحو تشكيل تيار جديد، ممثلًا بقائمة جديدة لخوض الانتخابات، منفردًا عن القائمة المشتركة، أو على الأقل حسب التصريحات الرسمية، علمًا بأن الحديث حول تقارب بين الأطراف بدأ يتردد كثيرًا في الأيام الأخيرة، والمقصود الأطراف المركبة للقائمة المشتركة.

وقد يكون سبب تراجع التجمع قليلًا هو الاستطلاع الأخير الذي أجرته قناة مكان والذي أظهر أن نسبة التصويت في المجتمع العربي ستكون 39%، ستحصل كل من المشتركة على 4.9 مقعدا، الموحدة 4.1. وفي حال قرر حزب التجمع الانشقاق عن القائمة المشتركة ودخول الانتخابات بشكل مستقل فان الاستطلاع يظهر ان ذلك قد يكلف الاحزاب العربية غاليا، وقد نشهد البرلمان الاسرائيلي خاليا من التمثيل الحزبي العربي، بحيث اشار الاستطلاع ان النتيجة ستكون حصول الجبهة والعربية للتغيير على 4 مقاعد (يتأرجح)، بينما تحصل القائمة العربية الموحدة على 3.9 (يتأرجح)، أما التجمع فيحصل على 1.5.


وفي استطلاع قام به مركز يافا للاستطلاعات، بطلب من المشتركة، فقد ظهر أن قوة التجمع في حال تنافس كل حزب بشكل منفرد هي 10.5% من الأصوات، فيما قوة الجبهة 29.5% من الأصوات وقوة الموحدة 25.2% من الأصوات، وقوة العربية للتغيير 13.6% من الأصوات، فيما سيصوت 15.1% لأحزاب صهيونية.

مناكفات بالشعارات الانتخابية
ورغم الحديث عن تقارب معين بين الأحزاب، إلا أن الأحزاب الثلاثة خرجت في الأيام الأخيرة بحملات منفردة، يمكن فيها ملاحظة تبادل اتهامات أو تلميحات بين الأطراف، إذ رفعت الجبهة شعار بأن طريقها واضح، وكأن طريق الآخرين غير واضح، كما فهمه البعض. بينما رفع التجمع شعار دعوة إلى النهج الوطني، وكأن نهج الآخرين ليس وطنيًا. أما العربية للتغير، فكان شعارها أنها لا تطحن الحكي" وكأن الآخرين "يطحنون" الكلام.

اصرار التجمع
التجمع حتى الآن ما زال مصرّا- كما يبدو من التصريحات- على الاستمرار بالترشح منفردًا، وهنالك أصوات داخل التجمع تدعو لاستمرار حتى بعد نتائج استطلاع مكان، بل أنها تصفه كبداية جيدة. وفي نفس الوقت، يستمر التجمع بمحاولة عقد تحالفات جديدة، إذ شوهد عضو الكنيست السابق، مطانس شحادة، يوم الجمعة في بلدية الناصرة يجتمع برئيس البلدية علي سلام، رغم أن شحادة أنكر أن الجلسة كانت حول الانتخابات. كما واجتمع عضو الكنيست احمد الطيبي وسامي أبو شحادة في العاصمة الأردنية عمان خلال تواجدها للمشاركة بحفل داعم لفريق هلال القدس، وقالت بعض المصادر أنه تم طرح فكرة تحالف التجمع مع العربية للتغيير، إلّا أن الأمر منطقيًا مستبعد، لأن الطيبي غالبًا لا يخاطر، ولأن حجة التجمع برفض فكرة التوصية والشراكة في اللعبة السياسية، تصبح باطلة، لأن الطيبي لم يذكر يومًا أنه يعارض ذلك.
من يتابع الأمور، وتابع التطورات والمواقف في العامين الأخيرين سيعرف أن التجمع يشهد خلافات داخلية بالرأي، بين تيار يطالب بالانفصال عن المشتركة، وعن الجبهة بشكل خاص، والذي يدعي أن سكوت التجمع وخضوعه لأمور كان يرفضها مبدئيًا (مثل التوصية)، أضعفه بشكل كبير، حتى بين جمهوره، ولولا حضور سامي أبو شحادة البارز لكان التجمع في وضع أسوأ بكثير اليوم. وهذا التيار يقول أنه حتى لو كان الثمن هو عدم عبور نسبة الحسم، سيكون كموقف أفضل من الوضع الحالي. وتيار يؤيد الاستمرار بالمشتركة بسبب ضيق الوقت وبسبب النفور الموجود في الشارع من المشاركة بالانتخابات، وحقيقة أن الانفصال الآن عن المشتركة سيعززه. وتيار ثالث يقول أنه ربما على التجمع أن يعلن عن فشل فكرة الدخول إلى الكنيست بسبب تطرف المجتمع الإسرائيلي وعدم وجود أي جهة فيه يمكن اعتبارها شريك، وأن عليه كحزب قيادة مشروع مقاطعة التصويت.

خلاف المقاعد
ولكن، رغم كل هذه الخلافات والحجج، يؤكد عدد من أعضاء الحزب ومن الناشطين، أن الخلاف المركزي والأساسي- حتى وإن لم يتحدثوا عنه علنا لأنهم يعرفون أن هذا الجدال سيغضب الشارع- هو الخلاف على ترتيب المقاعد، إذ يعتبر التجمع بأنه ظلم نفسه آخر مرة عندما قبل بوضع الثاني من العربية للتغيير قبل ثاني التجمع، لكن قبوله كان من أجل الحفاظ على الوحدة، وأيضًا أن ثلاثة من الجبهة مقابل واحد من التجمع يعتبرونه في التجمع تقسيم ظالم.

ورغم هذا النتائج ورغم أن هنالك من يقول أن سبب احتجاج التجمع بالأساس هو رفضه التقسيم الحالي في القائمة المشتركة، وحصوله على مقعد واحد في الستة مقاعد الأولى، كما هو الوضع الآن، إلّا أن قيادة الحزب مصرّه على التأكيد بأن الخلاف هو على النهج والتوجه السياسي، وفقط على النهج والتوجه السياسي، إذ يقول عضو الكنيست السابق والمرشح في الموقع الثاني للتجمع، د.مطانس شحادة: "نحن نطالب بعودة الطرح الوطني الخالص، ونناقش هذا الأمر منذ فترة، لم نتذكره فقط الآن، والأمر لا يقتصر على التوصية على غانتس وبعدها على لبيد ولا يمكن اختزاله بالتوصية، فهنالك خلاف كبير مع نهج أيمن عودة، ومشاركته في مظاهرات اليسار الإسرائيلي وفي مؤتمر جي ستريت بدون موافقة كافة مركبات المشتركة، وكل محاولة دخوله إلى لعبة المعسكرات الإسرائيلية، فنحن لا نرى نفسنا جزء من المعسكرات الإسرائيلية ونرفض هذا النهج".


وفي ردّه على المقولة بأن هنالك جهات في المشتركة الآن تقول أنه لن يتم التوصية على أحد إلا بشروط تتعلق بإنهاء الاحتلال وإلغاء القوانين العنصرية، وهذه شروط لا يبدو أن هنالك من سيقبل بها في الساحة الإسرائيلية، وبالتالي فإنه لن يتم التوصية على أحد، يقول: "هذا الحديث، بأنه لن نوصي على أحد إلا بالتزام حول انتهاء الاحتلال وما إلى ذلك، سمعناها في السابق، وبعد الانتخابات تغيرت الآراء وتم التوصية، رغم ذلك، فإن لا شيء محسوم حتى الآن، وكل الاحتمالات مفتوحة في حال تم الاتفاق على النهج والتصور السياسي، وردّي على من يقول أننا بهذا الشكل نعلن أننا لا نريد التأثير، بأنه بالإمكان التأثير من اللجان البرلمانية ومن خلال التوازنات وطوال السنوات الماضية نجحنا بالتأثير وحققنا عدة إنجازات تذكر، دون أي تنازلات سياسية".

جهات في التجمع تؤيد البقاء في المشتركة
وبالرغم من أن موقف مطانس شحادة هو الموقف الرسمي الذي أعلنته اللجنة المركزية للحزب، إلّا أن هنالك أصوات داخل التجمع تختلف مع هذا الرأي، رغم قبولها لقرار الأغلبية، كرئيس الحزب جمال زحالقة مثلًا، وعضو الكنيست السابق، جمعة الزبارقة والذي خسر في الانتخابات الداخلية بعدما ترشح على المقعد الثاني، أمام مطانس شحادة، والذي يقول: "نلتزم تمامًا بقرار اللجنة المركزية ونعمل وفقه، ولكن بالطبع كان لنا موقفًا مغايرًا، ولبعض الرفاق في الحزب أيضًا، فرغم أن القرار صحيح برأيي كون المشتركة أذابت العمل الحزبي ولم تكن كما أردناها، مظلة تمثل الأقلية العربية على أساس قومي وتلتزم ببرنامج سياسي ولا تدخل في لعبة المعسكرات السياسية، إلّا أنني وبعض الرفاق رأينا أن التوقيت غير مناسب، فنحن في مرحلة معقدة وهنالك عزوف كبير بين الناس عن المشاركة بالانتخابات، والتجربة علمتنا أن الوحدة هي التي تقنع الناس بالمشاركة، وقد تتسبب هذه الخطوة في عدم عبور التجمع لنسبة الحسم، وأيضًا ربما في عدم عبور الجبهة والعربية للتغيير، وطبعًا الموحدة أيضًا تواجه خطر عدم العبور، وبالتالي نحن قد نواجه خطر عدم وصول أي حزب عربي للكنيست، ولكن رغم ذلك نلتزم بقرار الحزب".
وحول تأييده للقرار رغم اختلافه مع اختيار التوقيت، يقول الزبارقة: "ربما أكثر حزب، ولا أقولها مبالغة ولا فخرًا، دفع ثمنًا من أجل إقامة المشتركة، كان التجمع، وهو صاحب الفكرة، وما زال التجمع يدفع ثمن الوحدة حتى الانتخابات الماضية، لو تحدثنا عن قبول التجمع لممارسات ومواقف بعض الشركاء وسكوته عنها من أجل الوحدة ولو تحدثنا أيضًا عن ترتيب المقاعد ، والمواقف السياسية هي أساس كل شيء، حتى في الأحزاب الصهيونية، قبل اعلان الوحدة بين كل أي حزبين أو أكثر، يتم التوافق على البرنامج السياسي، وبعد ذلك يكون تقسيم المقاعد الأمر الأقل أهمية".

أيمن عودة-بنوايا جيدة- فتح الطريق لمنصور عباس
"نحن نرفض ربط حقوقنا بأي موقف سياسي، وهذا النهج الذي اتخذته القائمة الموحدة، اذا استمر بخطورته، قد يقود إلى مرحلة سيربطون فيها حقوقنا الأساسية البسيطة بمواقف سياسية، فالفكر الصهيوني هو فكر استيلائي وكلما تنازلت له أكثر كلما حاول الاستيلاء عليك أكثر، وللأسف أقول أن هذا النهج الخطير لم تكن الموحدة ستجرؤ على أن تسلكه لولا خطوة أيمن عودة بالتقرب من معسكر اليسار والتوصية على غانتس، فصحيح أن نوايا أيمن عودة كانت صادقة ربما، ولكن هو قال أن لا مشكلة بأن نوصي على مرشح محسوب على اليسار وأن نتقرب من مرشح اليسار، فخرج منصور عباس ليقول أن لا فرق بين اليسار واليمين الصهيوني (وهذا صحيح نوعًا ما) وأنه اذا كان بالإمكان الوقوف مع اليسار، فالإمكان ايضًا الوقوف مع اليمين. في الحقيقة أنه لا فرق بين اليسار واليمين الصهيوني في الممارسات بالقضايا الأساسية والمصيرية، ولكن هذا يدعونا لعدم دعم اليسار وعدم دعم اليمين، لا لدعم كليهما. وهذا لا يعني أننا نتخذ موقفًا متحجرًا ولا نريد التأثير، ببساطة إذا كان هنالك مرشح يقارب برنامجنا وفكرنا، ويتعهد بإنهاء الاحتلال أو ببدء مسار سياسي صادق، وبإلغاء القوانين العنصرية، قد نوصي عليه، لكننا نعرف أن مرشح كهذا غير موجود في الساحة الإسرائيلية، والتجربة أثبتت أن حكومة لبيد وبينيت كانت أكثر قساوة وعنصرية من حكومات نتنياهو في كل الميادين. ببساطة، المشهد العام الإسرائيلي يميل لليمين، كل حكومة ستأتي ستخدم مشاريع اليمين، 80 عضو كنيست من أصل 120 يعرفون أنفسهم كيمين، أي أفق سياسي ممكن مع هؤلاء؟".


وحول جدوى الترشح للكنيست، يقول الزبارقة :"وجودنا في الكنيست مهم لمواجهة هذه السياسات العنصرية، ولتحصيل بعض حقوقنا، وعندما تكون قائمتنا أقوى يكون تأثيرنا أكبر، وعندما كنا 15 أو 13 حتى، كان تأثيرنا كبير وملموس في الكنيست وفي اللجان وحتى في حديثنا وتوجهنا للمجتمع الدولي، وهذا أفضل ما كان في المشتركة، رغم كل مآخذنا على كونها قتلت المنافسة بين الأحزاب والعمل الحزبي بشكل عام".

النقب
وأنهى كلامه حول المشهد في النقب: "النقب باعتقادي هو القضية الأهم بالنسبة لعرب الداخل، فالنقب مستهدف بشكل كبير كون احتياطي الأرض الوحيد الذي ما زال بملكية عربية، هو في النقب، لذلك تحاول الحكومات المتعاقبة تنفيذ مخططات تجميع الناس على أصغر مساحة ومصادرة الأراضي. ولا شك أن الموحدة تأثرت سلبيًا في النقب بسبب نهج منصور عباس المرفوض على الكثير من الناس وشراكتها في هذه الحكومة العنصرية التي كانت أسوأ من كل سابقاتها في ممارساتها ضد النقب، وأيضًا بعد وفاة سعيد الخرومي رحمه الله الذي كان محبوبًا ومقبولًا على الناس، ولكن حضورها يبقى الأقوى في النقب كونها تحرص دائمًا على أن يكون أحد مرشحيها في المراكز المضمونة من النقب، فأهل النقب يؤمنون بأن ابن النقب يمثلهم ويفهم قضاياهم أكثر من غيره، وهذا أمر لم تفهمه باقي الأحزاب العربية بشكل كاف".

الشباب مع فكرة الانفصال
قد تكون الفئة الأكثر تأييدا لفكرة أن يستمر التجمع في مساره منفردًا رغم كل المخاطرة هي فئة الشباب، وفي حديث مع عدد من الناشطات والناشطين الشباب في التجمع، أكدوا جميعهم على تأييدهم التام لأن يستمر التجمع في بناء تيار ثالث والتحالف مع قوى وطنية وشخصيات مستقلة لتشكيل قائمة قوية، رغم ما في الأمر من مخاطر، مؤكدين لأن تواجد التجمع في المشتركة أبعده عن الخط السياسي الذي عرف به وبالتالي أضعفه، إذ يقول الناشط ميمنة عكري والذي كان مرشحًا للمقعد الخامس في الانتخابات الداخلية بالتجمع: "منذ القرار بالتوصية على غانتس والتجمع يعبر عن رفضه لهذا النهج ولفكرة الدخول في اللعبة السياسية، وما حصل في العامين الأخيرين، وما فعلته الموحدة، وكيف تم استغلالها بشكل كامل والزامها بأن تتنازل عن مواقف عديدة دون أن يسمحوا لها بتحقيق انجاز واحد والتحريض على نوابها لمجرد أن يصدر أحدهم موقفًا داعمًا لشعبه، يثبت أن موقف التجمع من البداية كان صحيحًا وعلى أن الأحزاب لم تقرأ الصورة السياسية جيدًا".

"لطالما عارض التجمع سياسات المشتركة في موضوع التوصية و الدخول إلى لعبة التوصيات ولكنه كان يلتزم بقرار الأغلبية وفضّل الحفاظ على الوحدة، ولكن في النهاية خرج النائب سامي أبو شحادة واعتذر لشعبنا وصارحه بشكل واضح، ورغم ذلك فإن التجمع ما زال متمسكًا بالمشتركة شرط أن يتم التوافق على المواقف السياسية، لأن الموقف السياسي الآن هام جدًا خصوصًا في ظل صعود نهج الموحدة وهو نهج قديم تم تجريبه وفشل لكن يعود الآن بشكل مختلف مع الكثير من التنازلات عن أمور وثوابت مقدسة، وضرورة التصدي له. في الساحة الإسرائيلية لا يوجد شريك، وأي حكومة ستكون، ستسقط نفسها بنفسها اذا شعرت بأنها تقف على أصوات العرب بقضية مصيرية، ولطالما كنا في الكنيست دون أن نوصي على أحد، وناضلنا من أجل حقوقنا التي لا نطلبها ككرم من أحد انما لأنها حقوق مشروعة لنا. المشتركة خدّرت الأحزاب وأبعدتها عن الشارع وعن كوادرها والعزاء الوحيد كان بأننا قدرنا على تحقيق 15 مقعدًا وبهذا قدرنا على التأثير، ولكن حتى التمسك بالمشتركة، يجب أن يكون وفق شروط معينة ويعتمد على أهداف واضحة".

فيما يقول الناشط عبد الحليم دراوشة، سكرتير فرع التجمع في قرية اكسال  أن الأجواء داخل الحزب إيجابية ويلحظون تأييدًا للفكرة في الشارع، مؤكدًا على أن "الاحتمالات كلها مطروحة وصحيح أن الخلاف الأساسي هو على النهج والخط السياسي وأن للتجمع مطالب وشروط في هذا المضمار، لكن هنالك خلاف أيضًا -رغم أنه أقل أهمية- على ترتيب المقاعد، إذ يرى التجمع بكامل كوادره أنه تعرض للظلم في آخر تركيبة للقائمة المشتركة وأنه يستحق أكثر من مقعد واحد ضمن الستة مقاعد الأولى".




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]